الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٣١
يحصل ومنه وأقيموا الصلاة من الإقامة بهذا المعنى: أي حصلوها وائتوا بها على الوجه المجزى شرعا وهو معنى الأداء وما نحن فيه، أعني يقيمون الصلاة لما كان في معرض المدح بلا دلالة على إيجاب كان حمله على تعديل أركانها كما ذكره المصنف أولى فإنه المناسب لترتيب الهدى الكامل والفلاح الشامل، ومن جعله بمعنى يؤدون الصلاة فوجهه ما لخصناه لا ما ذهب إليه المصنف. وأما المعنيان الأخيران أعني المداومة والتجلد فلا يخلو وجه تخريجهما عن خدشة (قوله لوجود التسبيح) أي إذا جاز التعبير عن الصلاة بالتسبيح لوجوده فيها وإن لم يكن ركنا منها فلأن يعبر عنها بما هو ركن لها أولى (قوله على لفظ المفخم) التفخيم ههنا إمالة الألف نحو مخرج الواو لا ما هو ضد الإمالة أو ضد الترقيق (قوله وحقيقة صلى) يريد أن صلى مأخوذ من الصلاة على معنى حرك الصلوين وهما العظمان الناتئات في أعلى الفخذين، يقال ضرب الفرس صلويه بذنبه: أي ما عن يمينه وشماله، ثم استعمل بمعنى فعل الهيأت المخصوصة مجازا لغويا لأن المصلى يحرك صلويه في ركوعه وسجوده. ثم استعيرت منه للدعاء تشبيها للداعي بالمصلى في خضوعه وخشوعه. وفيه ضعف من وجهين: الأول أن الاشتقاق مما ليس بحدث قليل. الثاني أن الصلاة بمعنى الدعاء سائغ في أشعار الجاهلية، ولم يرو عنهم إطلاقها على ذات الأركان بل ما كانوا يعرفونها فأنى لهم التجوز عنها. فالأولى ما ذهب إليه الجمهور من أن الصلاة حقيقة في الدعاء مجاز لغوى في الهيئات المخصوصة المشتملة عليه، وفى هذا المقام كلام مشهور في أصول الفقه. فإن قلت: إذا ثبت صلى بمعنى تحريك العضوين كان الأنسب أن يؤخذ منه لفظ الصلاة بمعنى الهيئة ثم يشتق منها صلى بمعنى أحدثها فلم عكس المصنف؟ قلت:
لأن المناسبة بين تحريك العضو وإحداث الهيئة أقوى منها بين تحريكه ونفس الهيئة، ولذلك أيضا جعل الزكاة من زكى الشرعي المأخوذ من زكى اللغوي على أن قوله الصلاة من صلى قد يراد به أنها من جنسه: أي أنهما قد يتلاقيان في الاشتقاق بلا تعيين للمشتق منه فجاز أن يكون صلى مشتقا منها (قوله كفر اليهودي) أي حرك الكافرتين وهما الأليتان، وأما الكاذتان فهما اللحمتان المكتنزتان بين الورك والفخذ في أعلى الفخذين في موضع الكي من جاعرتي الحمار. وقيل الكافرة لحم ظاهر العجز أسفل من الجاعرة ويقرب منه ما قاله الجوهري من أن الكاذة ما نتأ من اللحم في أعلى الفخذ، والمصنف لم يفرق بين الكاذتين والكافرتين ولا بعد فيه لعلاقة الجزئية.
قال رحمه الله تعالى: استعمال التكفير في الخضوع والانقياد مشهور، قال جرير * فضعوا السلاح وكفروا تكفيرا * أي اخضعوا وانقادوا، وفى الحديث " فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان " أي تذل وتفزع بالطاعة، فالأوضح أن يشتق من الكفر من باب قردت البعين فهو بمعنى إزالته لأن الخضوع باب من الشكر، أو من الكفر بمعنى الستر
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»