يقال عبق به الطيب بالكسر: إذا لصق به ولزمه (قوله فيكون) عطف على أن يراد (قوله ويحتمل أن يراد وصف الأولين) فإن قلت: الإيمان بالكتب المنزلة يندرج تحت الإيمان بالغيب فلم خص بالذكر؟ قلت:: للاعتناء بشأنه كأنه العمدة. فإن قلت: لم أعيد الموصول ولم يكتف بعطف الصلات؟ قلت: للدلالة على استقلال هذه الصفات واستدعائها أن يذكر معها موصوفها كأن الموصوف بها مغاير للموصوف بما تقدم. وأما فائدة العطف بين الموصولات مع اتحاد الذات فما أشار إليه من معنى الجمع بين تلك الصفات، وهذه كما في العطف بالواو في سائر الصفات. قال رحمه الله تعالى: هذا الاحتمال أرجح من الأول لأن الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وما أنزل من قبله مشترك بين المؤمنين قاطبة فلا وجه لتخصيصه بمؤمني أهل الكتاب. فإن قلت: إيمان غيرهم بما أنزل من قبله في ضمن إيمانهم بما أنزل إليه، وقد أفرد بالذكر في الآية فدل على الإيمان بكل واحد منهما استقلالا وذلك مختص بهم. قلت: لا دلالة للإفراد على الاسقتلال. ألا ترى إلى قوله تعالى - قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم - الآية، كيف أفرد بالذكر فيه الكتب المنزلة من قبل وأمر بالإيمان بها والإقرار به ولم يقصد الإيمان بها على الانفراد. وأيضا ما ذكره في تقديم بالآخرة وبناء يوقنون على هم إنما يقع موقعه إذا عم المؤمنين وإلا لأوهم نفيه عن الطائفة الأولى. وأيضا أهل الكتاب لم يكونوا مؤمنين يجمع ما أنزل من قبل استقلالا فإن اليهود ما آمنوا بالإنجيل، وأجيب من ذلك بأن اشتمال إيمانهم على كل وحى بالنظر إلى المجموع بمعنى أن إيمان اليهود اشتمل على القرآن والتوراة، وإيمان النصارى على القرآن والإنجيل، وهو ضعيف لأن المفهوم المتبادر من أمثال هذه المواضع ثبوت الحكم لكل واحد لا للمجموع من حيث هو هذا، والحمل على بعض المنزل يخالف الظاهر ويوجب فك النظم. وأيضا الصفات السابقة ثابتة لمؤمني أهل الكتاب فتخصيصها بمن عداهم تحكم وجعل الكلام من عطف الخاص على العام لا يلائم المقام. وأما ما يقال من أن الأصل في العطف المغايرة بالذات فتفصيله أن أداة العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرا بالذات وإن توسطت بين الصفات اقتضت تغايرا في المفهوم، وكذلك الحكم في التأكيد والبدل ونحوهما. وإن وقعت فيما يحتملهما احتمالا على سواء كان الحمل على التغاير بالذات أولى فلا يحكم في مثل زيد عالم وعاقل بأن الحمل على تغاير الذات أظهر. وقد ترجح ههنا الصفة لأن وضع الذي ليكون صفة مع أن ما تقدم من الوجوه يشهد لها (قوله وكانت صفة التقوى مشتملة على الزمرتين) وكان المعنى للترجيح على تقسيم المتقين إليهما، وهذا العطف صحيح سواء جعل " الذين يؤمنون بالغيب " موصولا بما قبله أو منقطعا عنه، وأما العطف على المتقين فإنما يصح على تقدير الوصل فقط. قال رحمه الله: والأول أرجح، إذ لا وجه لإخراجهم عن المتقين مع اتصافهم بالتقوى، إلا أن يراد المشارفون فيتعين العطف على
(١٣٥)