غير وجه النسبة بين الهدى والمتقين، وزيد التصريح بالنتيجة احترازا عن بشاعة التكرار (قوله فوقع) عطف على اتجه وإنما قال: كأنه جواب إذ ليس هناك سؤال بل اتجاه سؤال يجعل لذلك كأنه مقدر (قوله بصفة المتقين) أراد بها جميع ما ذكر من أحوالهم وجعل علة لاستحقاقهم وفى قوله خصائصهم إشارة إلى أن كل واحدة من تلك الأحوال مما تصلح أن تكون سببا فكيف إذا اجتمعت (قوله استوجبوا) أي استحقوا أما عنده فمبعنى أنه يجب على الله تعالى بموجب حكمته وجوبا عقليا، وأما عند أهل السنة فبمعنى أن ذلك يلائم مجارى العادات (قوله أي الذين هؤلاء عقائدهم) أن الذين كملوا اعتقادا وعملا أحقاء أن يختصوا بالهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة، فيعلم من الجواب أنهم يستحقون الاختصاص، وأن السبب في ذلك تلك الأوصاف المخصوصة بهم التي رتب عليها الحكم، واستغنى عن تأكيد النسبة ببيان علتها وقيل المقصود من السؤال هو السبب فقط. أي ما هو سبب اختصاصهم واستحقاقهم إياه، لكنه بين في الجواب مرتبا عليه مسببه، فإن ذلك أوصل إلى معرفة السبب، فمن ثمة لم يحتج إلى تأكيد الجملة، وربما يقال قصد مجموع الأمرين: أي هل هم أحقاء بذلك وما السبب فيه حتى يكونوا كذلك، وقس على ما ذكرنا حال قولك أحب رسول الله الأنصار (قوله وإن جعلته) عطف على إذا نويت: أي جعلت الذين يؤمنون تابعا إما صفة أو مدحا نصبا أو رفعا (قوله غير مستبعد) إشارة إلى سقوط السؤال، وأنه نشأ من استبعاد السائل كون تلك الصفات علة لاستيجاب الاختصاص وليس لك مستبعدا. فإن قلت: صفة التقوى كافية في الاستحقاق والسببية، وكيف لا وتلك الأوصاف بيان وتفسير للمتقين، فيكون السؤال على الوجه الأول أيضا ساقطا. قلت: إن سلم كونها بيانا كان المفهوم من المتقين معنى مجملا يتجه معه السؤال، وأما إذا فصلت بتلك المعاني ولخصت فالسؤال ساقط كما لا يخفى (قوله دون الناس) إشارة إلى الاختصاص الحاصل من ترتب الحكم على الوصف لأن المعنى كما سيأتي تحقيقه أولئك الموصوفون بتلك الصفات على هدى، وإذا كان الحكم مرتبا مسببا عن الوصف انتفى بانتفائه. فإن قلت: فعلى الوجه الأول يلزم التكرار في ذكر الأوصاف.
قلت: لابعد في أن تذكر الصفات ملخصة، ثم يشار إليها مجملة ليتعلق بها العلم من وجهين ثم يربط بها ما هو مسبب عنها فإن ذلك أوفى بتأدية الغرض، وأنت خبير بتطبيق مثال الأنصار على هذا الوجه أيضا، فإن المطلوب بالسؤال فيه إما الحكم وإما السبب أو هما معا على قياس ما تقدم (قوله أن هذا النوع من الاستئناف) يريد به