يندرج فيها (قوله إظهار لإنافتها) أي لعلوها وزيادتها، وذلك لما مر من أن تخصيصها بالذكر في مقام المدح من بين ما يشتم عليه هذا الاسم يدل على أنها أشرف مما عداها وأولى بأن يمدح بها، وليس ههنا ملاحظة استجلابها لما سواها كما في الأول، فلذلك بالغ هناك بذكر الإفصاح والفضل، وأورد ههنا الإظهار والإنافة فتأمل.
والحاصل أن المتقى إن حمل على المعنى الشرعي فإن جعل خطابا لمن عرف تفصيله كانت الصفة ما دحة وإلا فكاشفة، وإن حمل على مجتنب المعاصي كانت مخصصة. قال رحمه الله تعالى: وحيث كان الاستئناف أرجح عنده فلا فائدة في الترجيح بين هذه الأقسام والتفريع عليها. واعلم أن المتقين إن حمل على المشارفين لم يحسن أن يجعل الذين يؤمنون بالغيب صفة ولا مخصوصا بالمدح نصبا أو رفعا ولا استئنافا أيضا، لأن الضالين الصائرين إلى التقوى ليسوا متصفين بشئ مما ذكر، وحمل الكل على الاستقبال والمشارفة يأباه مساق الكلام عند من له ذوق سليم، وهذا ما وعدناك في ترجيح تأويل الهدى بالزيادة والثبات (قوله والإيمان أفعال من الأمن) يتعدى إلى مفعول واحد تقول أمنته فإذا عدى بالهمزة يتعدى إلى مفعولين تقول آمننيه غيري ثم استعمل في التصديق فقيل مجازا لغويا، وإليه أشار بقوله (وحقيقته) أي حقيقة آمن بمعنى صدق يعنى أن الإيمان حقيقة في جعل الشخص آمنا، ثم أطلق على التصديق لاستلزامه إياه فإنك إذا صدقته فقد آمنته التكذيب. وقيل حقيقة لغوية كما يشعر به كلامه في الأساس، وما ذكره من أن حقيقته كذا بيان للمعنى الحقيقي الأصلي الذي وضع اللفظ له أولا في اللغة، ثم وضع ثانيا فيها لمعنى آخر يناسبه، وكذا دأبه في تحقيق الأوضاع الأصلية وبيان مناسبات المعاني اللغوية بعضها لبعض مع كون اللفظ حقيقة لغوية في كل منها (قوله وأما تعديته) الإيمان بمعنى التصديق يتعدى بنفسه فإذا عدى بالباء كان لتضمينه معنى الاعتراف والإقرار، فإنك إذا صدقت شيئا فقد اعترفت به. والتضمين أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقي ويلاحظ معه معنى فعل آخر يناسبه ويدل عليه بذكر شئ من متعلقاته كقولك: أحمد إليك فلانا لاحظت فيه مع الحمد معنى الإنهاء ودللت عليه بذكر صلته، أعني إلى أي أنهى حمد إليك. وفائدة التضمين إعطاء مجموع المعنيين، فالفعلان مقصودان معا قصدا وتبعا. قال المصنف: من شأنهم أنهم يضمنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه، فيقولون هيجني شوقا معدى إلى مفعولين بنفسه وإن كان هو يتعدى إلى الثاني بإلى، يقال هيجه إلى كذا لتضمنه معنى ذكر. وقال ابن جنى: لو جمعت تضمينات العرب لاجتمعت مجلدات. فإن قلت: اللفظ إذا كان مستعملا في المعنيين معا كان جمعا بين الحقيقة والمجاز وإن كان مستعملا في أحدهما فلم يقصد به الآخر فلا تضمين. قلت: هو مستعمل في معناه الحقيقي فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف يدل عليه ذكر ما هو من متعلقاته، فتارة يجعل المذكور أصلا في الكلام والمحذوف حالا كما في قوله تعالى - ولتكبروا الله على ما هداكم - كأنه قيل: ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم، وتارة يعكس فيجعل المحذوف أصلا أي يعترفون به مؤمنين، وإلا لم يكن تضمينا بل مجازا عن الاعتراف. فإن قلت: إذا كان المعنى الآخر مدلولا