الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٢٢
مجيئها متآخية متحدة كل لاحقة منها بسابقتها (قوله على أنه الكلام المتحدى به) أي على أن المنزل هو الكلام الذي يحق أن يتحدى به وذلك على تقدير التعديد إيقاظا أو تقدمة ظاهر، وإما على تقدير العلمية فلما مر من أن التسمية بهذه الألفاظ خاصة فيها إشعار بأن الفرقان ليس إلا كلمات عربية معروفة التركيب من مسمياتها. وقيل الإخبار عن اسم الإشارة بأنه القرآن يقتضى ذلك (قوله المنعوت بغاية الكمال) أي في نظمه ومعناه بحيث لا يستحق غيره أن يسمى كتابا، وفى ذلك تقرير وتحقيق لجهة التحدي وأنه الحقيق بأن يتحدى به (قوله وتسجيلا بكماله) أي حكما مقطوعا بذلك، فيكون لا ريب فيه تأكيدا لذلك الكتاب، كما أن هدى للمتقين تأكيدا للأريب فيه، وكل واحدة من هذه الجمل الثلاث مؤكدة ومقررة معنى ما اتصلت به لفظا فلا مجال للعاطف بينها. فإن قلت: إذا كان ألم مفردات معددة لم يصح أن يعطف عليها جملة ذلك الكتاب وإن لم يؤكد ما أريد بها فلا فائدة لبيان التقرير على هذا التقدير. قلت: فائدته الإشارة إلى أنه لو عبر عما أريد بها بجملة لم يصح العطف أيضا، وجعل صاحب المفتاح لا ريب فيه تأكيدا لذلك الكتاب نفيا لتوهم المجازفة فيما بولغ فيه من وصف الكتاب بغاية الكمال حيث جعل المبتدأ ذلك وعرف الخبر ثم قال " هدى للمتقين " تقريرا وتأكيدا لمجموع ذلك الكتاب لا ريب فيه وتحقيقه يعلم من هناك (قوله ثم لم تخل) عطف على قوله قد أصيب، ومن قال هو عطف على جئ بها متناسقة فقد أصيب، وذلك لأن جئ بها واقع في حيز تعليل إصابة مفصل البلاغة بترتيب تلك الجمل بعضها مع بعض وعدم خلو كل واحدة في نفسها عن نكتة لا مدخل له في تلك الإصابة، وأيضا قوله (بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق) أي المعجب (ونظمت هذا النظم السرى) أي الحسن، ينادى على فساد جعل عدم الخلو جزءا من علة إصابة الترتيب المفصل وموجب حسن النظم، وأيضا إذا جعل جزءا من علتها فلا وجه للعطف بثم ولا فائدة للفظ بعد. وأما على الوجه الذي ذكرناه فكأنه قيل: تلك الإصابة كافية في حسن الكلام وعلو درجته. ثم إن جاوزتها وطلبت وجها آخر لزيادة حسنه ورونقه لاحظت عدم الخلو، فقوله بعد ليس ظرفا للخلو ولا لعدمه بل لما دل عليه سياق الكلام من اعتبار عدم الخلو بعد اعتبار ذلك الترتيب. وقوله كل واحدة لشمول النفي: أي لم يجد واحدة منها خالية من نكتة ذات جزالة بل اشتمل عليها كل منها (قوله ففي الأولى الحذف) أي حذف المبتدأ الذي هو هذه (الرمز إلى الغرض) وهو أن المتحدى به معجز من الله تعالى (قوله ما في تقديم الريب على الظرف) وهو أنه يفيد نفى الريب
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»