نعمة من حيث هي جنة، وإنما تكون نعمة من حيث تؤدي إلى مصلحة في الدين.
والعافية تكون نعمة من حيث هي عافية، فلهذا حسن ما أنت بنعمة ربك بمجنون والجنون غمور العقل بستره عن الادراك به بما يخرج عن حكم الصحيح، وأصله الستر من قوله (جن عليه الليل) (1) إذا ستره. وقيل إن قوله (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) جواب لقول المشركين حين قالوا (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (2) فقال الله تعالى (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) وقوله (وإن لك) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول له (وإن لك) يا محمد (لاجرا) أي ثوابا من الله على قيامك بالنبوة وتحملك بأعبائها (غير ممنون) أي غير مقطوع من قولهم منه السير يمنه منا إذا قطعه، ويقال: ضعفت منتي عن السفر، ورجل منين أي ضعيف، ويجوز أن يكون المراد به إنه غير مكدر بالمن الذي يقطع عن لزوم الشكر، من قولهم: المنة تكدر الصنيعة. وقال الحسن: معناه لا يمن عليك بأجرك. ثم وصف النبي صلى الله عليه وآله فقال (وإنك) يا محمد (لعلى خلق عظيم) قال الحسن: على دين عظيم، وهو الاسلام. وقيل أدب القرآن. وقال المؤرج:
معناه على دين عظيم بلغة قريش. وقالت عائشة: كانت خلق النبي صلى الله عليه وآله ما تضمنه العشر الأول من سورة (المؤمنون)، فالخلق المرور في الفعل على عادة، فالخلق الكريم الصبر على الحق وسعة البذل، وتدبير الأمور على مقتضى العقل وفي ذلك الرفق والأناة والحلم والمداراة. ومن وصفه الله بأنه على خلق عظيم فليس وراء مدحه مدح. وقيل: وإنك لعلى خلق عظيم بحكم القرآن وكل ذلك عطف على جواب القسم.
وقوله (فستبصر ويبصرون) معناه فستعلم يا محمد يوم القيامة ويعلمون، يعني هؤلاء الكفار الذين يرمونك بالجنون تارة وبالكهانة أخرى (بأيكم المفتون)