صادقين) في ادعائكم أنكم أولياؤه دون الناس، فالتمني هو قول القائل - لما كان - ليته لم يكن، ولما لم يكن: ليته كان. وهو من صفات الكلام. وقال بعضهم: هو معنى في النفس.
ثم اخبر تعالى عن حالهم وكذبهم واضطرابهم في دعواهم، وانهم غير واثقين بما يدعونه فقال (ولا يتمنونه ابدا بما قدمت أيديهم) ومعناه لا يتمنون الموت أبدا فيما بعد (بما قدمت أيديهم) مما لا يرجعون فيه إلى ثقة من التكذيب بالنبي صلى الله عليه وآله والتحريف لصفته في التوراة (والله عليم بالظالمين) أي عالم بأحوالهم وافعالهم، لا يخفى عليه شئ منها.
وفي الآية دليل على النبوة لأنه اخبر بأنهم لا يتمنون الموت ابدا، وما تمنوه فكان ذلك اخبارا بالصدق قبل كون الشئ، وذلك لا يعلمه، إلا الله تعالى.
وفيها بطلان ما ادعوه من أنهم أولياء الله.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله (قل) لهم (إن الموت الذي تفرون منه) أي تهربون منه (فإنه ملاقيكم) وإنما قال (فإنه) بالفاء، وسواء فروا منه أو لم يفروا منه فإنه ملاقيهم، مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه لأنه إذا كان الفرار منه بمنزلة السبب في ملاقاته فلا معنى للتعرض له لأنه لا يباعد منه قال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه * ولو رام أن يرقى السماء بسلم (1) وهن ينلنه هابها أولم يهبها، ولكنه إذا كانت هيبته بمنزلة السبب للمنية كان لا معنى للهيبة، وقال قوم: تقديره قل إن الموت هو الذي تفرون منه فجعلوا (الذي) في موضع الخبر لا صلة: ويكون (فإنه) مستأنف.
وقوله (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) معناه ثم ترجعون إلى الله تعالى