وأبو عمرو وابن عامر على وجه الاخبار عنهم. الباقون بالتاء على وجه الخطاب لهم، لما حكى الله تعالى عن الكافر انه يقول يوم القيامة (أين المفر) والمهرب حكى ما يقال له، فإنه يقال له (كلا لا وزر) أي لا ملجأ. والوزر الملجأ من جبل يتحصن به أو غيره من الحصون المنيعة. ومنه الوزير المعين الذي يلجأ إليه في الأمور، يقال وزرت الحائط إذا قويته بأساس يعتمد عليه. وقال ابن عباس ومجاهد: لا وزر، معناه لا ملجا. وقال الحسن: لا جبل، لان العرب إذا دهمتهم الخيل بغتة، قالوا: الوزر، يعنون الجبل، قال ابن الدمينة:
لعمرك ما للفتى من وزر * من الموت ينجو به والكبر (1) وقال الضحاك: معناه لا حصن. وقيل معناه لا منجا ينجو إليه، وهو مثل الملجأ. ثم قال تعالى (إلى ربك يومئذ المستقر) أي المرجع الذي يفر فيه. ومثله المأوى والمثوى، وخلافه المرتحل. والمستقر على وجهين: مستقر إلى أمد، ومستقر على الأبد.
وقوله (ينبأ الانسان يومئذ بما قدم واخر) أي يخبر بجميع ما عمله، وما تركه من الطاعات والمعاصي، فالنبأ الخبر بما يعظم شأنه، وحسن في هذا الموضع لان ما جرى مجرى اللغو والمباح لا يعتد به في هذا الباب. وإنما الذي يعظم شأنه من عمل الطاعة والمعصية هو ما يستحق عليه الجزاء. فأما ما وجوده كعدمه، فلا اعتبار به. والتقديم ترتيب الشئ قبل غيره. وضده التأخير وهو ترتيب الشئ بعد غيره، ويكون التقديم والتأخير في الزمان، وفى المكان، وفى المرتبة، كتقديم المخبر عنه في المرتبة، وهو مؤخر في الذكر، كقولك: في الدار زيد، وكذلك الضمير في (غلامه ضرب زيد) وهو مقدم في اللفظ ومؤخر في المرتبة. وقال ابن عباس: ينبأ بما قدم