على التقدم والتأخير في أمره بخلاف ما يقوله المجبرة الذين يقولون بتكليف ما لا يطاق لمنع القدرة. وقال قتادة: معناه لمن شاء منكم أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر عنها بمعصيته. والمشيئة هي الإرادة.
وقوله (كل نفس بما كسبت رهينة) معناه إن كل نفس مكلفة مطالبة بما عملته وكسبته من طاعة أو معصية، فالرهن أخذ الشئ بأمر على أن لا يرد إلا بالخروج منه رهنه يرهنه رهنا قال زهير:
وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا (1) وكذلك هؤلاء الضلال قد أخذوا برهن لا فكاك له. قال الرماني: في ذلك دلالة على القائلين باستحقاق الذم، لأنه عم الارتهان بالكسب في هذا الموضع، وهم يزعمون أنه يرتهن بأن لم يفعل ما وجب عليه من غير كسب شئ منه، فكانت الآية حجة على فساد مذهبهم. وهذا الذي ذكره ليس بصحيح، لان الذي في الظاهر أن الانسان رهن بما كسبت يداه. ولم يقل: ولا يرهن إلا بما كسب له إلا من جهة دليل الخطاب الذي هو فاسد عند أكثر الأصوليين، على أن الكسب هو ما يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر، ويدخل في ذلك الفعل، وألا يفعل، فلا تعلق في الآية.
ولما ذكر تعالى أن (كل نفس بما كسبت رهينة) استثنى من جملة النفوس فقال (إلا أصحاب اليمين) والاستثناء منقطع، لان أصحاب اليمين ليسوا من الضلال الذين هم رهن بما كسبوه، وتقديره لكن أصحاب اليمين (في جنات) أي بساتين آجنها الشجر، وأصحاب اليمين هم كل من لم يكن من الضالين: وقال الحسن:
هم أصحاب الجنة. وقال قوم: هم الذين ليس لهم شئ من الذنوب. وقال قوم: