ذلك مصلحة للمكلفين. وقد بين ذلك بقوله (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم) أي لم نجعل من يتولى تدبير النار إلا من الملائكة ولم نجعلهم على هذه العدة (إلا فتنة) ومحنة وتشديدا في التكليف (للذين كفروا) نعم الله وجحدوا ربوبيته ليلزمهم النظر في ذلك، فلما كانت هذه العدة التي جعلت عليها الملائكة يظهر عندها ما كان في نفس الكافر مما يقتضيه كفره، كان فتنة له، لان الفتنة هي المحنة التي تخرج ما في النفس من خير أو شر باظهار حاله كاظهار الحكاية للمحكي والملك عبارة عما كان على خلاف صورة الجن والإنس من المكلفين. وقال قوم: لا يكون ملكا إلا رسولا لأنه من الرسالة، كما قال الهذلي:
الكني إليها وخير الرسو * ل أعلمهم بنواحي الخبر (1) واصله ملاك بالهمز كما قال الشاعر:
فلست لا نسي ولكن بملاك * تنزل من جو السماء يصوب (2) والملك عظيم الخلق شديد البطش كريم النفس. والأصل نفسه منشرحة بالطاعة انشراح الكريم بالجود، وأصله من النور، ووجه دلالة هذه العدة من الملائكة على نبوة النبي صلى الله عليه وآله هو انه إذا كان الله - عز وجل - قد اخبر به في الكتب المتقدمة ولم يكن محمد صلى الله عليه وآله ممن قرأها ولا تعلمها من أحد من الناس دل على أن الله أعلمه وانزل عليه به وحيا أبانه به من جميع الخلق ليدل على صدقه مع أنه أحد الأشياء التي أخبر بها على هذه الصفة (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) والتقدير ليعلم أهل الكتاب يقينا ان محمدا صادق من حيث اخبر بما هو في كتبهم من غير قراءة لكتبهم ولا تعلم منهم (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) أي ويزداد بذلك أيضا المؤمنون الذين عرفوا الله إيمانا مضافا إلى ايمانهم. ووجه المحنة على الكفار بتكليفهم ان يستدلوا حتى