فهؤلاء اعتقدوا ان الخبر يكون يوم الدين كذب. والدين الجزاء، وهو الايصال إلى كل من له شئ أو عليه شئ ما يستحقه، فلذلك يوم الدين، وهو يوم الجزاء وهو يوم أخذ المستحق بالعدل. وقوله (حتى أتانا اليقين) معناه حتى جاءنا العلم واليقين الذي يوجد برد الثقة به في الصدر أو دليله، يقال: وجد فلان برد اليقين وثلج في صدره، ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه متيقن، فقال الله تعالى لهم (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) الذين يشفعون لهم، لان عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالاجماع. ثم قال (فما لهم عن التذكرة) أي أي شئ لهم؟ ولم أعرضوا وتولوا عن النبوة والرشد؟! ولم يتعظوا به إلى أن صاروا إلى جهة الضلال على وجه الانكار عليهم. ثم شبههم، فقال (كأنهم حمر مستنفرة) أي مثلهم في النفور عما تدعوهم إليه من الحق واعراضهم، مثل الحمر إذا نفرت ومرت على وجهها إذا (فرت من قسورة) وهو السبع يعني الأسد، يقال نفر، واستنفر، مثل علامتنه واستعلاه وسمع إعرابي رجلا يقرأ (كأنهم حمر مستنفرة) فقال: طلبها قسورة، فقيل له:
ويحك إن في القرآن (فرت من قسورة) قال (مستنفرة) إذا، فالفرار الذهاب عن الشئ خوفا منه، فريفر فرا وفرارا، فهو فار إذا هرب والفار الهارب.
والهرب نقيض الطلب، واصل الفرار الانكشاف عن الشئ، ومنه فر الفرس يفره فرا إذا كشف عن سنه. والقسورة الأسد. وقيل: هو الرامي للصيد. وأصله الاخذ بالشدة من قسره يقسره قسرا أي قهره. وقال ابن عباس: القسورة الرماة وقال سعيد بن جبير: هم القناص. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: جماعة الرجال وقال أبو هريرة: هو الأسد. وهو قول زيد بن اسلم، وفى رواية عن ابن عباس وأبي زيد: القسور بغير هاء تأنيث.
وقوله (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) اخبار من الله