ديارا) قال قتادة: ما دعا عليهم إلا بعد ما أنزل عليه (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) (1) فلذلك قال (إنك) يا رب (ان تذرهم) يعني تتركهم ولا تهلكهم (يضلوا عبادك) عن الدين بالاغواء عنه والدعاء إلى خلافه (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) وإلا فلم يعلم نوح الغيب، وإنما قال ذلك بعد أن اعلمه الله ذلك وإنما جاز أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) فيسيمهم بالكفر والفجور قبل أن يعملوه، لأنه على وجه الحكاية والاخبار بما يكون منهم لو وجدوا لا على وجه الذم لهم، لاقتضاء العقل على أنه لا يذم على الكفر من لم يكن منه كفر، فكأنه قال ولا يلدوا إلا من إذا بلغ كفر، و (الديار) فيعال من الدوران، أي ولا تذر على الأرض منهم أحدا يدور في الأرض بالذهاب والمجئ قال الشاعر:
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا * ألا يجاورنا إلاك ديار (2) أي إلا إياك، فجعل المتصل موضع المنفصل ضرورة. وقال الزجاج: تقول ما في الدار أحد، ولا بها ديار، وأصله ديوار (فيعال) فقلبت الواو ياء. وأدغمت إحداهما في الأخرى. والفاجر من فعل الفجور، وهي الكبيرة التي يستحق بها الذم. و (الكفار) من أكثر من فعل الكفر لأنه لفظ مبالغة. وكافر يحتمل القليل والكثير.
ثم حكى ان نوحا سأل الله تعالى فقال (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) قيل المراد بالبيت مسجده. وقيل أراد سفينته.
وذلك على وجه الانقطاع إليه تعالى، لأنه لا يفعل معصية يستحق بها العقاب.
فأما والده والمؤمنون والمؤمنات الذين استغفر لهم فيجوز أن يكون منهم معاص يحتاج أن يستغفرها لهم.