أي ذو نصب، فكأن العيشة أعطيت حتى رضيت، لأنها بمنزلة الطالبة كما أن الشهوة بمنزلة الطالبة للمشتهى. وقيل: هو كقولهم: ليل نائم وسر كاتم وماء دافق، على وجه المبالغة في الصفة من غير التباس في المعنى: فعلى هذا جاء عيشة راضية ولا. يجوز على هذا القياس زيد ضارب بمعنى مضروب لأنه يلتبس به.
وقوله (في جنة عالية) أي بستان أجنه الشجر مرتفعة، فالعلو الجهة المقابلة لجهة السفل. والعلو والسفل متضمن بالإضافة فيكون الغلو سفلا إذا أضفته إلى ما فوقه، ويكون علوا إذا أضيف إلى ما تحته، وقوله (قطوفها دانية) أي اخذ ثمرها، فالقطف اخذ الثمرة بسرعة من موضعها من الشجر، وهو قطوفها، كأنه قال دانية المتناول، قطف يقطف قطفا فهو قاطف، وقطف تقطيفا. والدنو القرب، دنا يدنو دنوا فهو دان، وتدانيا تدانيا وأحدهما أدنى الينا من الاخر. وقال قتادة: معناه قطوفها دانية لا يرد أيديهم عن ثمرها بعد ولا شوك.
ثم حكى تعالى ما يقال لهم فإنه يقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم) وصورته صورة الامر والمراد به الإباحة، كما قال (وإذا حللتم فاصطادوا) (1) وقال قوم: انه أمر على الحقيقة، لان الله يريد من أهل الجنة الأكل والشرب لما لهم في ذلك من زيادة السرور إذا علموا ذلك. وإنما لا يريد ذلك في الدنيا، لأنه عبث لا فائدة فيه.
وقوله (هنيئا) معناه مريئا ليس فيه ما يؤذي، فليس يحتاج فيه إلى اخراج فضل لغائط ولا بول.
وقوله (بما أسلفتم) أي جزاء على ما عملتموه من الطاعة (في الأيام الخالية)