التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ١٧٠
عنه، ولا يسأل بعضهم بعضا عنه، لانقطاعهم عن الحجة، ولا ينافي قوله " فهم لا يتساءلون " قوله في موضع آخر " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " (1) لان يوم القيامة مواطن يختلف فيها حالهم، فمرة تطبق عليهم الحيرة، فلا يتساءلون، ومرة يفيقون فيتساءلون. وقال الحسن: لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه شيئا كما كانوا في الدنيا.
ثم اخبر تعالى " ان من تاب " من المعاصي ورجع عنها إلى الطاعات، وأضاف إلى ذلك الاعمال الصالحات " فعسى أن يكون من المفلحين " وإنما أدخل (عسى) في اللفظ مع أنه مقطوع بفلاحه، لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك، فيفلح، وقد يجوز أن يزول فيما بعد، فيهلك، فلهذا قال " فعسى " على أنه قيل: إن عسى من الله في جميع القرآن واجبة.
ثم اخبر تعالى فقال " وربك " يا محمد " يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة " قيل في معناه قولان:
أحدهما - يختار الذي كان لهم فيه الخيرة، فدل بذلك على شرف اختياره لهم.
الثاني - أن تكون (ما) نفيا أي لم يكن لهم الخيرة على الله بل لله الخيرة عليهم، لأنه مالك حكيم في تدبيرهم، فيكون على هذا الوجه الوقف على قوله " ويختار " وهو الذي اختاره الزجاج. وقال الحسن: معناه " ما كان لهم الخيرة " اي أن يختاروا الأنبياء، فيبعثوهم. وقال مجاهد " لا يتساءلون " بالأنساب والقرابات. وقيل " لا يتساءلون " بما فيه حجج لهم، وقوله " سبحانه وتعالى عما يشركون " معناه ما عظم الله حق عظمته من اشرك في عبادته، لان من تعظيمه اخلاص الإلهية له، وانه الواحد فيما تفرد به على

(1) سورة 37 الصافات آية 27 وسورة 52 الطور آية 25
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست