التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٩٩
فمضى وقدمها وكانت عادة * منه إذا هي عودت أقدامها (2) فأنث الاقدام لتأنيث (عادة). وقوله: " ثم لم تكن فتنتهم " أي لم تكن بليتهم التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة الا قولهم.
ومعنى الآية: أنه تعالى لما ذكر قصص هؤلاء المشركين الذين كانوا مفتنين بشركهم، أعلم النبي صلى الله عليه وآله أن افتتانهم بشركهم، وإقامتهم عليه لم يكن الا أن تبرءوا منه، وقالوا انهم ما كانوا مشركين، كما يقول القائل إذا رأى إنسان انسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك لفلان الا أن انتفيت منه.
فان قيل: كيف قالوا وحلفوا أنهم ما كانوا مشركين - وقد كانوا مشركين - وهل هذا إلا كذب، والكذب قبيح ولا يجوز من أهل الآخرة أن يفعلوا قبيحا، لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح، لأنهم أو صح لم يكونوا ملجئين وكانوا مختارين، وجب أن يكونوا مزجورين عن فعل القبيح، وإلا أدى إلى اغرائهم بالقبيح وذلك لا يجوز، ولو زجروا بالوعيد عن القبائح لكانوا مكلفين ولوجب أن يتناولهم الوعد والوعيد، وذلك خلاف الاجماع، وقد وصفهم الله تعالى أيضا بأنهم كذبوا على أنفسهم، فلا يمكن جحد أن يكونوا كاذبين، فكيف يمكن أن يرفع ذلك؟ وما الوجه فيه؟
والجواب عن ذلك من وجوه:
أحدها - ما قاله البلخي: إن القوم كذبوا على الحقيقة، لأنهم كانوا يعتقدون أنهم على الحق، ولا يرون أنهم مشركون، كالنصارى ومن أشبههم، فقالوا في الموقف ذلك. وقيل: ان يقع بهم العذاب فيعلموا بوقوعه أنهم كانوا على باطل فيقولوا " والله ربنا ما كنا مشركين " وهم صادقون عند أنفسهم وكذبهم الله في ذلك، لان الكذب هو الاخبار بالشئ لا على ما هو به، علم المخبر بذلك أو لم يعلم، فلما كان قولهم " والله ربنا ما كنا مشركين " كذبا في

(2) اللسان (قدم) وروايته (عردت) بدل (عودت).
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست