قوله تعالى:
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (86) آية، بلا خلاف.
هذا وصف للذين آمنوا من هؤلاء النصارى الذين ذكرهم الله أنهم أقرب مودة للمؤمنين بأنهم إذا سمعوا ما أنزل الله من القرآن يتلى " ترى أعينهم تفيض من الدمع " يعني من آمن من هؤلاء النصارى. قال الزجاج وأبو علي: تقديره ومنهم إذا سمعوا ولم يذكر (منهم) لدلالة الكلام عليه وما وصفهم به فيما بعده. وفيض العين من الدمع امتلاؤها منه سيلا ومنه فيض النهر من الماء وفيض الاناء، وهو سيلانه عن شدة امتلاء، ومنه قول الشاعر:
ففاضت دموعي فظل الشؤون * إما وكيفا وإما انحدارا (1) وخبر مستفيض أي شائع، وفاض صدر فلان بسره، وأفاض القوم من عرفات إلى منى إذا دفعوا، وأفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه، والدمع الماء الجاري من العين ويشبه به الصافي، فيقال دمعة. والمدامع مجاري الدمع وشجة دامعة تسيل دما.
وقوله " مما عرفوا من الحق " أي مما علموه من صدق النبي وصحة ما أتى به " يقولون ربنا " في موضع الحال، وتقديره قائلين " ربنا آمنا " أي صدقنا بما أنزلت " فاكتبنا مع الشاهدين " قيل في معناه قولان:
أحدهما - فاجعلنا مع الشاهدين فيكون بمنزلة ما قد كتب ودون.
الثاني - فاكتبنا معهم في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ. و (الشاهدين) قال ابن عباس وابن جريج: مع أمة محمد صلى الله عليه وآله الذين يشهدون بالحق من