الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا " (3) فأملوا أن يخف عنهم العذاب بمثل هذا الكلام على عادة الدنيا، فلم يخف ولم يكن لهم فيه راحة، فقال الله " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " أي خابوا فيما أملوا من سهولة العذاب وذلك مشهور في كلام العرب، قال الشاعر:
كذبتم وبيت الله لا تأخذونها * مراغمة ما دام للسيف قائم (4) وقال آخر:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها * بني شاب قرناها تصر وتحلب (5) أي كذبكم أملكم. وقال أبو داود الأزدي:
قلت لما نصلا من فتنة * كذب العير وإن كان برح (6) والمعنى أمل أنه يتخلص بشئ فكذبه أمله، لأنه ظن أنه إذا مر بارحا وهو أن يأخذ في ناحية الشمال إلى ناحية اليمين لم يتهيأ لي طعنه، فلما قلب رمحه وطعنه قال: كذب العير أي كذب أمله.
و (الفتنة) في الآية معناها المعذرة - في قول قتادة - لأنها اعتذار عن الفتنة، فسميت بأسم الفتنة. وقال قوم: هي المحنة. وقال قوم: تقديره عاقبة فتنتهم. وفتنتهم يجوز أن تكون بمعنى اغترارهم أي اغتروا بهذا الكذب وظنوا أنه سينجيهم، وكذبوا على أنفسهم لما رجعت مضرته إليهم صار عليهم وان قصدوا أن يكون نهم.
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال المعارف ضرورية، لان الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا " والله ربنا ما كنا مشركين " فلا يخلو أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فان كانوا صادقين لأنهم كانوا عارفين في دار الدنيا فقد كذبهم الله في ذلك بقوله " أنظر كيف كذبوا " وان كانوا كاذبين لأنهم كانوا عارفين، فقد وقع منهم القبيح في الآخرة، وذلك لا يجوز. ومعنى الآية على ما بيناه