التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٤
أبدا وتركته أعمى أصما، وجعلته ثورا وحمارا، وإن كان لم يفعل به شيئا من ذلك ولم يرده بل هو مهموم به محب لخلافه، ولا يجوز أن يكون المراد بذلك أنه كلفهم ما لا يطيقونه، وذلك لا يليق بحكمته تعالى، ولكانوا غير ملومين في ترك الايمان حيث لم يمكنوا منه، وكانوا ممنوعين منه، وكانت الحجة لهم على الله تعالى دون أن تكون الحجة له، وذلك باطل، بل لله الحجة البالغة.
قوله " وان يروا كل آية لا يؤمنون بها " أي كل علامة ومعجزة تدلهم على نبوة النبي صلى الله عليه وآله لا يؤمنون بها لعنادهم. قال الزجاج (أن يفقهوه) في موضع نصب لأنه مفعول له، والمعنى جعلنا على قلوبهم أكنة لكراهة أن يفقهوه فلما حذفت اللام نصب الكراهة، ولما حذفت الكراهة أنتقل نصبها إلى (أن).
قال أبو علي: كانوا إذا سمعوا القرآن من النبي آذوه ورجموه وشغلوه عن صلاته، فحال الله بينهم وبين استماع ذلك في تلك الحال التي كانوا عازمين فيها على ما ذكرناه بأن ألقى عليهم النوم إذا قعدوا يرصدونه فكانوا ينامون فلا يسمعون قراءته ولا يفقهون أنه قرآن، ولا يعرفون مكانه ليسلم النبي صلى الله عليه وآله من شرهم وأذاهم فجعل منعه إياهم عن استماع القرآن، وعن التعرف لمكان النبي صلى الله عليه وآله لئلا يرجموه ولا يؤذوه " أكنة أن يفقهوه " أنه قرآن وأن محمدا هو الذي يقرأه. وبين أن كل آية يرددها عليهم النبي صلى الله عليه وآله من قبل الله لا يؤمنون بها، فلهذا منعهم الله من استماع القرآن، لأنهم لم يكونوا يسمعونه ليستدلوا به على توحيد الله وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وإنما كانوا يريدون بذلك تعرف مكانه ليؤذوه ويرجموه، فلهذا منعهم الله من استماع القرآن وفهمه ولو كانوا ممن يؤمن ويقبل ما يردد عليه من الآيات من قبل الله ويستدلوا بها على نبوة محمد صلى الله عليه وآله ما كان الله يمنعهم من سماع ذلك وفهمه.
وقوله " حتى إذا جاؤوك يجادلونك " يعني أنهم إذا دخلوا إليه بالنهار إنما يجيئون مجيئ مخاصمين مجادلين رادين مكذبين، ولم يكونوا يجيئون مجيئ من يريد الرشاد والنظر في الدلالة الدالة على توحيد الله ونبوة نبيه صلى الله عليه وآله
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست