التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٥
وكانوا يريدون ذلك بأن يقولوا هذا أساطير الأولين، يعنون إنه من كلام الأولين وحوادثهم. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى في بني إسرائيل: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا.
وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا " (1) فمعنى الآيتين واحد وسبب نزولهما واحد، وإنما أنزلت هذه الآيات لئلا يمتنع النبي من قراءة القرآن خوفا من أذى الكفار فيفوت المؤمنين سماعه فيغتمون لذلك وتفوتهم مصلحته بل حثه الله على قراءته وضمن له المنع من أذاهم.
وقوله: " وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها " كالتعليل لجعله قلوبهم في أكنة، والوقر في آذانهم، فقال: إنما فعلت هذا لعلمي بأنهم لا يؤمنون وأنه ليس في سماعهم ذلك الا تطرق الأذى به عليك منهم، وقولهم " ان هذا الا أساطير الأولين ".
وتحتمل الآية وجها آخر وهو: أنه يعاقب الكفار الذين لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم من نحو الضيق الذي ذكر أنه يخلقه فيها، ويجعل هذه العقوبات دلالة لمن شاهد قلوبهم واستماعهم من الملائكة، وشاهد منها هذه العقوبات، على أنهم لا يؤمنون من غير أن يكون ذلك حائلا بينهم وبين الايمان. ثم أخبر أنها بمنزلة الأكنة على قلوبهم عن فقه القرآن وبمنزلة الوقر في الاذان على وجه التمثيل له بذلك تجوزا واستعارة. ووجه الشبه بينهما أن من كانت في نفسه هذه العقوبات معلوم أنه لا يؤمن كما أن من على قلبه أكنة لا يؤمن، وكما سمي الكفر عما، سماه باسم العمى على وجه التشبيه.
ويحتمل أيضا أن يكون الكفر الذي في قلوبهم من جحد توحيد الله وجحد نبوة نبيه، سماه كنا تشبيها ومجازا، وإعراضهم عن تفهم القرآن والاصغاء إليه على وجه الاستعارة وقرأ توسعا، لان مع الكفر والاعراض لا يحصل الايمان والفهم كما أن مع الكن - والوقر لا يحصلان، ونسب هذا

(1) سورة 17 الاسراء آية 45 - 46.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست