ثم قال بعد أن ذكر من وثقه من الأئمة - ما نصه: غلو التشيع، أو التشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
فرد حديث الشيعي الثقة مفسدة بينة، كما قال الذهبي - رحمه الله تعالى - لما يترتب على ذلك من ذهاب جملة من الأحاديث النبوية. فلهذا كان عمل أهل الحديث سلفا وخلفا، وفي مقدمتهم: البخاري ومسلم، على الاحتجاج بحديث الشيعي الثقة.
فمن رد حديثه، ورأى توثيقه منكرا، وعملا غير مشروع، وأمرا لا يجوز، فهو شاذ، خارج عن إجماع أهل الحديث، فلا يعتبر به، ولا يلتفت إلى كلامه.
وصدور ذلك منه يدل على قصوره في علم الحديث، وعدم معرفته بما أجمعوا عليه من مسائله بينهم.
ويكفي في الدلالة على أن الشيعي محتج بحديثه مقبول الرواية، إذا كان ثقة، وأن هذا هو الذي عليه جماعة أهل الحديث واتفقت الأمة معهم في ذلك، إخراج البخاري ومسلم لحديثه، فإن ذلك دليل على إطباق الأمة، سلفها وخلفها، على الاحتجاج بالشيعي لإطباق الأمة على قبول حديث الصحيحين والاحتجاج بهما والحكم عليهما بأنهما أصح الكتب بعد القرآن.
فهذا وحده كاف في كون الشيعي الثقة مجمعا على الاحتجاج به، مقبول الرواية. ومن خالف ذلك فقد خرج عن هذا الإجماع، ورد ما أجمعت الأمة على قبوله، والله تعالى يقول: (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم) " سورة النساء الآية 115 " وكفى هذا فسادا لقول الألباني في الاعتراض على توثيق الحارث الشيعي.
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - في مقدمة " الفتح " (384): ينبغي لكل منصف إن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتضيا لعدالته عنده وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين. وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما.