فتح الملك العلى - أحمد بن الصديق المغربي - الصفحة ٨٥
وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي من الميزان (1): هو شيعي جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته، وقد وثقه أحمد أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي وقال: كان غالبا في التشيع، وقال السعدي: زائغ مجاهر، فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة، وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة انتهى كلام الذهبي (2).
وإيضاح المقام: إن رد الخبر إنما هو لكونه كذبا في حد ذاته لا لشئ آخر مضاف إلى الكذب، كما أن قبوله إنما هو لصدقه في حد ذاته لا لشئ آخر مضاف إلى الصدق، فلو حدث الثقة السني بالكذب فهو مردود عليه واتصافه بالعدالة والسنبة لا يصير كذبه صدقا، كما أن الكذاب المبتدع إذا حدث بالصدق فخبره مقبول، واتصافه بالكذب والبدعة لا يصير صدقه كذبا، بل ذلك محال عقلا إلا أنه لما كان الوقوف على الحقيقة فيهما متعذرا في الغالب وجب الاكتفاء فيهما بالظن، وهو يحصل باتصاف الراوي بالصدق أو اتصافه بالكذب، فمن اتصف بالصدق حتى عرف به حصل الظن بصدق خبره ومن اتصف بالكذب وتكرر منه حصل الظن بكذب خبره، ولما كان الباعث على اجتناب الكذب هو خوف الله تعالى بامتثال أو أمره واجتناب نواهيه كان ذلك الظن لا يحصل غالبا إلا بمن هذه صفته، لأن من ليس له خوف يحجزه عن المحارم قد يجترئ

(١) ميزان الاعتدال ١: ٥.
(2) المصدر السابق والصحيفة والمجلد.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»