فتح الملك العلى - أحمد بن الصديق المغربي - الصفحة ٨٤
الأعمال السيئة، وخوارم المروءة على خلاف في اشتراط الأخير ثم انجر بهم هذا التوسع إلى توسع آخر، فصاروا يدخلون تحت كل من هذه القيود ما ليس منها كالتفرد والركض على البرذون وكثرة الكلام والبول قائما وبيع الزيبق وتولية أموال الأيتام، والقراءة بالألحان، وسماع آلة الطرب المختلف فيها، والتزي بزي الجند وخدمة الملوك وأخذ الأجرة على السماع والاشتغال بالرأي وعلم الكلام والتصوف، ومصاحبة الواقفة ورواية الأحاديث المخالفة لهوى المجرح، أو موافقة المخالف له في بعض الفروع والتطفيل وإبدال صيغ الإجازة بصيغ الأخبار والبدعة والخلاف في المعتقد كالا رجاء والقدر والنصب والتشيع، وغيرها من النحل، وهذا التوسع كاد ينسد معه باب العدالة وينعدم به مقبول الرواية خصوصا بالنسبة للشرط الأخير، فإن غالب ما جاء بعد الصحابة من رواة السنة وحملة الشريعة في الصدر الأول والثاني والثالث كانوا من هذا القبيل فلم يسلم من التعلق بأذيال نحلة من هذه النحل منهم إلا القليل، غير أنهم كانوا متفاوتين فيها بالتوسط والتعالي والإفراط والاعتدال، فمن كان غالبا في نحتله داعيا إليها عرف بها واشتهر ومن كان متوسطا غير داعية لم يشتهر، فإذا جرح كل هؤلاء وردت رواياتهم ذهبت جملة الآثار النبوية، وكاد ينعدم معها المقبول بالكلية كما قال ابن جرير في جزء جمعه للذب عن عكرمة (1) مولى ابن عباس: لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه ما ادعى فيه وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه ا ه‍.

(١) ذكره ملخصا ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٢٦٣ - 273 ونص على ذلك ص 273 بقوله: وبسط أبو جعفر الطبري القول في ذلك ببراهينه وحججه، وقد لخصت ذلك وزدت عليه كثيرا في ترجمته.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»