فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٩٦
إذا اعتقدت ذلك وتيقنته لا يقدح في زهدك، وتجردك تناولك من الدنيا ما لا بد منه مما تحتاج إليه في قوام البنية ومؤونة العيال (وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك) أي لو أن تلك المصيبة منعت وأخرت عنك فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه عنده وعدم تعلقه بالقلب البتة ومن ثمة قال الغزالي: الزهد ترك طلب المفقود من الدنيا وتفريق المجموع منها وترك إرادتها واختيارها قالوا: وأصعب الكل ترك الإرادة بالقلب. إذ كم تارك لها بظاهره محب لها بباطنه فهو في مكافحة ومقاساة من نفسه شديدة فالشأن كله في عدم الإرادة القلبية ولهذا لما سئل أحمد عمن معه ألف دينار ألا يكون زاهدا؟ قال: نعم بشرط أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت وقال بعضهم: الزاهد من لا يغلب الحلال شكره والحرام صبره قال ابن القيم: وهذا أحسن الحدود فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال فاعتزلوا الناس فضيعوا الحقوق وقطعوا الأرحام وجفوا الأنام واكفهروا في وجوه الأغنياء وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب وأن أصله موت الشهوة القلبية فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة. (ت ه) في الزهد (عن أبي ذر) قال الترمذي: غريب وقال المناوي: فيه عمر بن واقد قال الدارقطني: متروك.
4594 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) وفي رواية الجسد (والرغبة فيها تتعب القلب والبدن) ونفعها لا يفي بضرها وتبعاتها من شغل القلب وكذا البدن في الدنيا والعذاب الأليم والحساب الطويل في الآخرة فينبغي أن لا يأخذ العاقل منها إلا ما لا بد منه من عبادة ربه والنفس تسلي وتتعود ما عودتها كما قال:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى * فإن توقت تاقت وإلا تسلت (وقال آخر:) فالنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع وقال الشافعي: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد. (طس عد هب عن أبي هريرة هب عن عمر موقوفا) قال المنذري: إسناده مقارب.
4595 - (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن) لأنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ما هو
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست