فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٧٠١
6186 - (القرآن هو النور المبين) أي الضياء الذي يستغنى به إلى سلوك الهدى (والذكر) أي المذكور أو ما يتذكر به أي يتعظ (الحكيم) أي المحكم آياته * (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) * أي المشتمل على الحقائق أو الحكيم بمعنى ذي الحكمة ذكره القاضي. قال الطيبي: والذكر إن فسر بالمذكور فالمناسب أن يؤول الحكيم بالمحكم أي هذا القرآن المذكور محكم آياته ورصين ألفاظه مصبوب في قالبي البلاغة والفصاحة أعجز الخلق عن الإتيان بمثله وإن فسر بالشرف والكرم فالموافق أن يؤول الحكيم بذي الحكمة لأن كون الكلام شريفا إنما يكون باعتبار ما يتضمنه من الحكمة والنكت والمعاني الدقيقة واللطائف الرشيقة (والصراط المستقيم) أي هو مثل الصراط المستقيم في كونه يوصل سالكه إلى المقصد الأسنى، فهو تشبيه بحذف أداته وقيل جعله نفس الصراط المستقيم لظهور بياناته النافية لطرائق الدين. (هب عن رجل) من الصحابة.
6187 - (القرآن هو الدواء) أي من الأمراض الروحانية كالاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوة والمعاد وكالأخلاق المذمومة وفيه أوضح بيان لأنواعها وحث على اجتنابها ومن الأمراض الجسمانية بالتبرك بقراءته عليها لكن مع الإخلاص وفراغ القلب من الأغيار وإقباله على الله بكليته وعدم تناول الحرام وعدم الآثام واستيلاء الغفلة على القلب فقراءة من هذا حاله مبرئ للأمراض وإن أعيت الأطباء ولهذا قال بعض الأئمة: متى تخلف الشفاء فهو إما لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المحل المنفعل أو لمانع قوي يمنع تخلفه أن ينجع فيه الدواء كما تكون في الأدوية الحسية شفاء لما في الصدور * (وننزل من القرآن ما هو شفاء) * قال الأكثر: من جنسية لا تبعيضية فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية لكن لا يحسن التداوي به إلا الموفقون، ولله حكمة بالغة في إخفاء سر التداوي به عن نفوس أكثر العالمين كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم (تنبيه) قال ابن عربي: إذا كان الإنسان مؤمنا بالقرآن أنه كلام الله وشفاء للأدواء فليأخذ عقيدته منه ويترك المبارزة في ديوان المجادلة فإنه قد تضمن جميع الأصول فنزه سبحانه نفسه أن يشبهه شئ من المخلوقات أو يشبه شيئا بقوله * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * و * (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * وأثبت رؤيته في دار الآخرة بظاهر قوله * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * و * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * ونفى الإحاطة بدركه بقوله * (لا تدركه الأبصار) * وأثبت كونه قادرا بقوله * (وهو على كل شئ قدير) * وأثبت كونه عالما بقوله * (أحاط بكل شئ علما) * وأثبت كونه مريدا بقوله * (فعال لما يريد) * وأثبت كونه سميعا بقوله * (لقد سمع الله) *
(٧٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 706 ... » »»
الفهرست