فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٦١
رؤيته في العنق دليل على حال سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاصي اقترفها أو حقوق لازمة أضاعها مع القدرة وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه وبلية تلازمه (وأحب القيد) أي أحب أن يرى الإنسان مقيدا في النوم (القيد ثبات في الدين) لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشر والباطل فقال المعبرون: إذا رأى برجله قيدا وهو في نحو مسجد أو على حالة حسنة فهو دليل ثباته في ذلك ولو رآه نحو مريض أو مسجون كان ثباته فيه وإذا انضم الغل له دل على زيادة ما فيه. (ت ه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره.
4496 - (الرؤيا على رجل طائر) أي هي كشئ معلق برجله لا استقرار لها (ما لم تعبر) بالبناء للمجهول وتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) تلك الرؤيا بمعنى أنه يلحق الرائي أو المرئي له حكمها قال في النهاية: يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر غالبا فكيف يكون ما على رجله وقال في جامع الأصول: كل حركة من كلمة أو شئ يجري لك فهو طائر يقال اقتسموا دارا وطار سهم فلان في ناحية كذا أي خرج وجرى والمراد أن الرؤيا على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يحسن تعبيرها (ولا تقصها إلا على واد) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها بما تكرهه (أو ذي رأي) أي ذي علم بالتعبير فإنه يخبرك بحقيقة حالها أو بأقرب ما يعلم منه لأن تعبيرها يزيدها عما جعلها الله عليه وقال القاضي:
معناه لا يقصها إلا على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير أو عاقل لبيب لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح ولا يواجهك إلا بخير (تنبيه) قال الراغب: الرؤيا فعل للنفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث نفس من الخواطر الرديئة يكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة، وضرب وهو الأقل صحيح هو قسمان:
قسم لا يحتاج إلى تأويل وقسم يحتاج إليه ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة للفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا ثم من تصح له منهم من يرشح لأنه يلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح لذلك وكذلك قال اليونانيون: يجب للمعبر أن يشتغل بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون العوام فإن له حظا من النبوة وهذا العلم لا يحتاج إلى مناسبة بينه وبين متحريه فرب حكيم لا يرزق حذقا فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم يوجد له فيه قوة عجيبة انتهى (تنبيه) قال ابن عربي: إذا رأى أحد رؤيا فصاحبها له فيما رآه حظ من خير أو شر بحسب قضية رؤياه ويكون في ناموس الوقت أما في الصورة المرئية فيصور الله ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا والطائر الحظ ويجعل الرؤيا معلقة برجل هذا الطائر وهي عين الطائر ولما كان الطائر إذا اقتض صيدا من الأرض إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له وجناحه لا يمكنه
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست