فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٩
(تنبيه) عدوا من الصبر الحسن التصبر على ما ينشأ عن الأفران وأهل الحسد سيما ذوي البذاءة منهم واللبس ووقوع هؤلاء في الأعراض وتنقصهم لما يهمهم من الأمراض وذلك واقع في كل زمن وحسبك قول الشافعي في عقود الجمان في الذب عن أبي حنيفة النعمان كلام المعاصرين مردود غالبه حسد وقد نسب إليه جماعة أشياء فاحشة لا تصدر عمن يوصف بأدنى دين وهو منها برئ قصدوا بها شينه وعدم انتشار ذكره * (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) *. (فر عن أنس) بن مالك (طب عن علي) أمير المؤمنين (موقوفا) قال الحافظ العراقي: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف.
5137 - (الصبر ثلاثة) أي أقسامه باعتبار متعلقه ثلاثة (فصبر على المصيبة) حتى لا يستخطها (وصبر على الطاعة) حتى يؤديها (وصبر على المعصية) حتى لا يقع فيها وهذه الأنواع هي التي عناها العارف الكيلاني في فتوح الغيب بقوله لا بد للعبد من أمر يفعله ونهي بتجنبه وقدر يصبر عليه وذلك يتعلق بطرفين طرف من جهة الرب وطرف من جهة العبد فالأول هو أن له سبحانه على عبده حكمان كوني قدري وشرعي ديني فالكوني متعلق بخلقه والشرعي بأمره فالأول يتوقف حصول الثواب فيه على الصبر والثاني لا يتم إلا به فرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاثة الصبر على المقدور وترك المحظور وفعل المأمور وأما الطرف الثاني فإن العبد لا ينفك عن هذه الثلاثة أيضا ولا يسقط عنه ما بقي التكليف فقيام عبودية القدر على ساق الصبر لا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها وهذه الثلاثة قد وقعت الإشارة إليها بآية * (أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) * (فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له) أي قدر أو أمر بالكتابة في اللوح أو الصحف (ثلاثمائة درجة) أي منزلة عالية في الجنة (ما بين الدرجتين) منها (كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطاعة) أي على فعلها وتحمل مشاقها (كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلى منتهى الأرضين) السبعة (ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش) الذي هو أعلى المخلوقات وأرفعها (مرتين) وهذا صريح في أن الصبر على المقدور أدنى المراتب ثم الصبر على المأمور ثم عن المحظور وذلك لأن الصبر على مجرد القدر يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر فلا بد لكل منهم من الصبر عليه اختيارا أو اضطرارا والصبر على الأوامر فوقه ودون الصبر عن المحرمات فإن الأوامر أكثرها محبوب للنفوس لما فيها من العدل والإحسان والإخلاص والبر والصبر على
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»
الفهرست