فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٥٦٧
3862 (الحياء هو الدين كله) لأن مبدأه ومنتهاه يفضيان إلى ترك القبيح وترك القبيح خير لا محالة فكان لا يأتي إلا بخير ولأن من استحيا من الخلق قل شره وكثر خيره وغلب عليه السخاء والسماح الموصلان إلى ديار الأفراح وأشفق أن يرى أحد في دينه خللا أو في عمله زللا فمن ثم كان فيه كمال الدين لمصير من هو شعاره من المتقين (طب عن قرة) ابن إياس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عنده الحياء فقالوا: الحياء من الدين فقال: بل هو الدين كله وضعفه المنذري ولم يبين وبينه الهيثمي فقال فيه عبد الحميد بن سوار وهو ضعيف.
3863 (الحياء خير كله) لأن مبدأه انكسار يلحق الإنسان مخافة نسبته إلى القبيح ونهايته ترك القبيح وكلاهما خير ومن ثمراته مشهد النعمة والإحسان فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه وإنما يفعله اللئيم فيمنعه مشهد إحسانه إليه ونعمته عليه من عصيانه حياء منه أن يكون خيره وإنعامه نازلا عليه ومخالفته صاعدة إليه فملك ينزل بهذا وملك يعرج بهذا فأقبح به من مقابلة (م د) من الإيمان (عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أبو داود وفي الباب أنس وغيره.
3864 (الحياء لا يأتي إلا بخير) لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة ولا يرتكب خطيئة. قال ابن عربي: الحياء أن لا يفعل الإنسان ما يخجله إذا عرف منه أنه فعله والمؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير انتهى لا يقال صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يعظمه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على إخلاله ببعض الحقوق كما هو معروف عادة لأنا نقول هذا ليس بحياء حقيقة بل عجز ومهانة وخور وإنما يطلق عليه أهل العرف حياء مجازا وحقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق الغير وقال بعض الحكماء: من كسى الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه (ق عن عمران بن الحصين) ورواه عنه أيضا أحمد وغيره.
3865 (الحياء من الإيمان) قال الزمخشري: جعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان وقال ابن الأثير: جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب لأن
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»
الفهرست