فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٥٧٨
وأمثاله إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار أما من ينزه عنه فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه بل إذا أسند إليه شئ من ذلك يجب أن يؤول ويحمل على منتهاه وغاية منتهاه كإسناد الرحمة والغضب والحياء إليه سبحانه فمعنى الحديث اعملوا بحسب وسعكم وطاقتكم فإن الله لا يعرض عنكم إعراض الملوك ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط وأريحية فإذا سئمتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على سآمة وكلال كان معاملة الله معكم معاملة الملول عنكم والداعي إلى هذا التجوز قصد الازدواج وله في القرآن نظائر جمة * (يخادعون الله وهو خادعهم) * * (فيسخرون منهم سخر الله منهم) *، * (نسوا الله فنسيهم) * إلى غير ذلك (طب عن أبي أمامة) قال الهيثمي: فيه بشر بن نمير ضعيف ورواه مسلم من حديث عائشة بلفظ خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا.
3892 (خذوا عني) أي خذوا الحكم في حد الزنا عني ذكره القاضي وقال القرطبي: أي افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت) * الآية واعملوا به وذلك أن مقتضى الآية أن من زنى حبس في بيته حتى يموت وبه قال ابن عباس في النساء وابن عمر فيهما فكان هو حد الزنا لأن به يحصل الإيلام والعقوبة بأن يمنع من التصرف والنكاح حتى يموت فذلك حده غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلا غير الحبس فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله لنبيه فبلغه لأصحابه فقال خذوا عني وعدى الأخذ بعن دون من الذي هو الأصل لأنه لما كان الأمر صادرا عنه أعطاه معناه أو لأنه أعطى فعل الأخذ معنى الرواية أي ارووا حكم الزنا عني وهذا خرج مخرج التنبيه والتأكيد إذ هو لم يبعث إلا لتؤخذ عنه (خذوا عني) قال الطيبي: تكرير خذوا يدل على ظهور أمر كان خفي شأنه واهتم به (قد جعل الله لهن) أي للنساء الزواني على حد * (حتى توارت بالحجاب) * (سبيلا) أي خلاصا عن إمساكهن في البيوت المأمور به في سورة النور يعني جعل لهن طريقا يخلصن بها من الحبس فيها (البكر بالبكر (1) بكسر الباء في الأصل من لم توطأ والمراد هنا من لم تزوج من الرجال والنساء كذا في المحرر (جلد مائة) أي ضربة مائة ضربة (ونفي سنة) عن البلد الذي وقع الزنا فيها (والثيب بالثيب) في الأصل من تزوج ودخل من ذكر أو أنثى والمراد هنا المحصن يعني إذا زنا بكر ببكر وثيب بثيب فحذف ذلك اختصارا لدلالة السياق عليه (جلد مائة والرجم) بالحجارة
(٥٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 583 ... » »»
الفهرست