فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٥٦٣
الشبهة (فقد أستبرأ) بالهمز وقد يخفف أي طلب البراءة (لدينه) من الدم الشرعي (وعرضه) بصونه عن الوقيعة فيه بترك الورع الذي أمر به فهو هنا الحسب وقيل النفس لأنها الذي يتوجه إليها المدح والذم وعطف العرض على الدين ليفيد أن طلب براءته منظور إليه كالدين (ومن وقع في المشبهات) بميم بخطه أيضا يعني فعلها وتعودها (وقع في الحرام) أي يوشك أن يقع فيه لأنه حام حول حريمه وقال وقع دون يوشك أن يقع كما قال في المشبه به الآتي لأن من تعاطى المشبهات صادف الحرام وإن لم يتعمده إما لإثمه بسبب تقصيره في التحري أو لاعتياده التساهل وتجرئه على شبهة بعد أخرى إلى أن يقع في الحرام أو تحقيقا لمداناة الوقوع كما يقال من اتبع هواه هلك وسره أن حمى الملوك محسوسة يحترز عنها كل بصير وحمى الله لا يدركه إلا ذو البصائر ولما كان فيه نوع خفاء ضرب المثل بالمحسوس بقوله (كراع) أصله الحافظ بغيره ومنه قيل للوالي راعي والعامة رعية وللزوج راع ثم خص عرفا بحافظ الحيوان كما هنا (يرعى حول الحمى) أي المحمى وهو المحذور على غير مالكه (يوشك) بكسر الشين يسرع (أن يواقعه) أي تأكل ماشيته منه فيعاقب شبه آخذ الشهوات بالراعي والمحارم بالحمى والشبهات بما حوله ثم أكد التحذير من حيث المعنى بقوله (ألا) حرف افتتاح قصد به أمر السامع بالإصغاء لعظم موقع ما بعده (وإن لكل ملك) من ملو ك العرب (حمى) يحميه عن الناس ويتوعد من قرب منه بأشد العقوبات (ألا وإن حمد الله) تعالى وهو ملك الملوك (في أرضه محارمه) أي المحارم التي حرمها وأريد به هنا ما يشمل المنهيات وترك المأمور ومن دخل حمى الله بارتكاب شئ منها استحق العقاب ومن قاربه يوشك الوقوع فيه فالمحافظ لدينه لا يقرب مما يقرب إلا الخطيئة والقصد إقامة البرهان على تجنب الشبهات وأنه إذا كان حمى الملك يحترز منه خوف عقابه فحمى الحق أولى لكون عذابه أشق ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه إلى الفجور أردف ذلك بقوله (ألا وإن في الجسد) أي البدن (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ لكنها وإن صغرت حجما عظمت قدرا ومن ثم كانت (إذا صلحت) بفتح اللام انشرحت بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الطاعات لأنها متنوعة له وهي وإن صغرت صورة كبرت رتبة (وإذا فسدت) أي أظلمت بالضلالة (فسد الجسد كله) باستعمالها في المنكرات (ألا وهي القلب) سمي به لأنه محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلاب أو لأنه خالص البدن وخالص كل شئ قلبه أو لأنه وضع الجسد مقلوبا وذلك لأنه مبدأ الحركات البدنية والإرادات النفسانية فإن صدرت عنه إرادة صالحة تحرك البدن حركة صالحة أو إرادة فاسدة تحرك حركة فاسدة فهو ملك والأعضاء رعيته وهي تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده وأوقع هذا عقب قوله الحلال بين إشعارا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه والشبه تقسيه وتظلمه وللحديث فوائد جمة أفردت بالتأليف (ق 4 عن النعمان بن بشير) قال ابن العربي: وقد جعلوا هذا الحديث ثلث الإسلام وربعه وأكثروا في التقسيمات وأكثرها تحكمان تحمل الزيادة والنقص وبالجملة فالمعاني مشتركة ولو قيل إنه نصف الإسلام لكان له وجه من الكلام ولو قال قائل إنه جملة الدين لما
(٥٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 ... » »»
الفهرست