فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٦٤
2914 (إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا) إما شك من الراوي وإما لأن الحق غير مرادف للصدق فإن الحق يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على مطابقة الواقع ويقابله الباطل وأما الصدق فشاع في الأقوال فقط ويقابله الكذب (ومن تقول) بشد الواو (علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ له نزلا أي بيتا فيها ومن ثم كان أكابر الصحب يتحرون عدم التحديث قال علي كرم الله وجهه: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم أسمعه (حم ه ك عن أبي قتادة) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على هذا المنبر فذكره قال الحاكم على شرط مسلم وله شاهد بإسناد آخر وأقره الذهبي عليه.
2915 (إياكم ودعوة المظلوم) أي احذروا جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم (وإن كانت من كافر فإنه) أي الشأن وفي رواية للبخاري فإنها أي الدعوة (ليس لها حجاب دون الله عز وجل) يعني أنها مستجابة قطعا وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه قال ابن الجوزي: الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا لضعيف لا يمكنه الإنتصار وإنما نشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الحاصل بسبب التقوى اكتنفت الظالم ظلمات الظلم حتى لا يغني عنه ظلمه شيئا (سمويه عن أنس) وله شواهد كثيرة سبقت ويجئ كثير منها.
2916 (إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اه‍. وإن الله يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلا زيادة في التوضيح فقال: (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي: تصير الصغيرة
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست