فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٤
الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه وحكمه (وأفضل الدعاء الحمد لله) لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملها فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه والحمد على النعم طلب المزيد، وفي الحديث القدسي إن الله يقول: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وسيجئ حديث: الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لا يحمده، فنبه به على وجه تسمية الحمد دعاء وهو كونه محصلا لمقصود الدعاء، فأطلق عليه دعاء مجازا لذلك فإن حقيقة الدعاء طلب الإنعام، والشكر كفيل بحصول الإنعام للوعد الصادق بقوله: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * [إبراهيم: 7] وقال الطيبي: لعله جعل أفضل الدعاء، من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه. قال: وقد يكون قوله الحمد لله: تلميح وإشارة إلى * (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) * [الفاتحة: 6، 7] وأي دعاء أفضل وأجمع وأكمل منه. قال المؤلف: دل هذا الحديث بمنطوقه على أن كلا من الكلمتين أفضل نوعه، ودل بمفهومه على أن لا إله إلا الله أفضل من الحمد لله فإن نوع الذكر أفضل من نوعه). تنبيه: قال الغزالي: ليس شئ من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله، فإن النعم كلها من الله، وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته، وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد لدخولهما فيه بل الرتبة الأولى من معارف الإيمان التقديس، ثم إذا عرف ذاتا مقدسة يعرف أنه لا يقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط، فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة وينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل فلذلك ضوعف الحمد ما لم يضاعف غيره من الأذكار مطلقا. تنبيه: قال البدر الدماميني: لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وإن ورد: أفضل العبادات أشقها لأن في الإخلاص في الذكر من المشقة سيما الحمد في حال الفقر ما يصير به أعظم الأعمال وأيضا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حال فإن ثواب كلمة الشهادة مع سهولتها أكثر من العبادات الشاقة.
تنبيه آخر: قال بعض العارفين: سميت كلمة الشهادة تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت أي إذا ذكر بما ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ولذلك كانت أفضل ما قاله النبيون كما في الخبر الآتي، فأرفع الكلمات (لا إله إلا الله) وهي أربع كلمات نفي ومنفي وإيجاب وموجوب، والأربعة الأسماء الإلهية أصل وجود العالم، والأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام والأربعة العناصر أصل وجود المولودات والأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان والأربعة الحقائق أصل وجود الإنسان، فالأربعة الإلهية: الحياة والعلم والإرادة والقدرة، والأربعة الطبيعية: الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة، والأربعة العناصر: ركن النار والهواء والماء والتراب، والأربعة الأخلاط: المرتان والدم والبلغم، والأربعة الحقائق: الجسم والتغذي والحس والنطق، فإذا قال عبده لا إله إلا الله على هذا التربيع كان لسان العالم ونائب الحق في النطق، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا فاستوعبت بهذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر العشرات والمئات والألوف ومن واحد إلى تسعة، ثم بعد هذا يقع التركيب بما يخرجك من الآحاد إلى ما لا يتناهى، وهو
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»