فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٦
في النهاية، وفي القاموس: جوف الليل الآخر: ثلثه الأخير، ولو حذف ذكر الآخر لكان جوف الليل وسطه، وليس مرادا. قال بعض العارفين: فيناجي المصلي ربه في تلك الساعة بما يعطيه عالم الغيب والشهادة والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وهو خصوص دلالة بخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين من أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية والتقريب الروحاني وهو وقت نزول الحق تقدس من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف، وخرج بالليل النهار فأفضل ساعاته للتعبد فيه أوله (طب عن عمرو بن عنبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين قديم الإسلام محقق الصحبة أبي نجيح السلمي يقال أسلم بعد أبي بكر وبلال وكان يقال: هو ربع الإسلام، سكن المدينة ثم نزل الشام.
1257 - (أفضل الشهداء من سفك دمه) أي أسيل دمه وأهلك في أول دفعة أي قطرة من الدم (وعقر جواده) أي جرح فرسه وضربت قوائمه بالسيف، وفي الصحاح: عقر الفرس بالسيف فانعقر:
أي ضرب قوائمه. وقال الزمخشري: تقول إن بني فلان عقروا مراعي القوم إذا قطعوها وأفسدوها، والجواد الفرس الجيد. قال الزمخشري: تقول فرس جواد من خيل جياد، وأجاد فلان صار له فرس جواد، والمراد أنه عقر جواده ثم استشهدا وقتلا معا فيكون له أجر نفسه وجواده، وأما إن قتل ثم عقر جواده فإنما يكون له أجر نفسه وأما أجر جواده فلوارثه فلذلك كان الأول أفضل، وتمسك به من فضل شهيد البر على شهيد البحر، وعكسه البعض تمسكا بخير: من لم يدرك الغزو معنا فليغزو في البحر فإن غزوة في البحر أفضل من غزوتين في البر (طب عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه، ورواه ابن حبان عن أبي ذر بلفظ: أفضل الجهاد من عقر جواده وأهرق دمه وله شواهد ترقيه إلى الصحة.
1258 - (أفضل الصدقة) أي أعظمها أجرا. قال الحراني: الصدقة الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب (أن تصدق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وبالتشديد على إدغامها (وأنت صحيح) أي والحال أنك سليم من مرض مخوف (شحيح) أي حريص على الضنة بالمال وهو صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص فهو أبلغ منه فهو بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع، وقيل هو وصف لازم من جهة الطبع (تأمل) بفتح المثناة فوق وبضم الميم (العيش) أي تطمع، كذا هو في جامع الفصولين للمؤلف وهي لفظ رواية النسائي، ورواية البخاري: الغنى: بغين معجمة مكسورة ثم وقفت على خط المؤلف فوجدته الغنى فتقول أترك مالي في بيتي لأكون غنيا وقد أعمر طويلا (وتخشى) أي والحال أنك تخشى (الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرا، فمجاهدة النفس
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»