فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٢
ولا يشبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات (القضاعي عن ابن مسعود).
1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه، والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل، ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع، والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة، ذكره بعض الأعاظم، وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى، وقد تجتمع الجهات كلها (ه ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه‍. نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد، فلو عزاه المصنف له لكان أولى.
1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية، لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو عن الذنوب، والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص، وهي مفاعلة من العفو، وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه، وقال الحكيم: العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر، إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا، وذكرهما في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شئ واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه، وفي محل الابتلاء عافاه، ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء، كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا، ثم بأعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت، لن لكل نعمة تبعة، ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات يخلص هذا في العفو، وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه، وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء، فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا الله بكرمه، ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من النعيم، فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين:
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»