الجذوع بأشد اجتهادا من هؤلاء ومع ذلك كان عندهم للسلم والعفو موضع فلم يكن الواحد منهم ضرارا قهارا دائما بل كانوا كمتبوعهم حسبما يقتضيه المقام في مكان القهر على العفو وفي وقت السلم محض اللطف أشداء على الكفار رحماء بينهم يعفون عمن ظلمهم ويصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعينون على نوائب الدهر بطلاقة وجه وسماحة نفس وكف أذى وبذل ندى فهم كما قيل فيهم:
جبال الحجى أسد الوغا غصص العدا شموس العلا سحب الندا بالمواهب والليوث جمع ليث وهو الأسد وخصه لأنه بمنزلة ملك الوحش وأشده شكيمة وأقواه نفسا وعزيمة وأعظمه شجاعة وبطشا. والغابة الأجمة من نحو قصب أو شجر ملتف تأوي إليه الأسود سميت غابة لأنها تغيب ما فيها يقال إنه ليث غابة وهو من ليوث الغابة قال الزمخشري: ومن المجاز أننا في غابة أي رماح كثيرة كالشجر وزاد قوله (وأسد عرينها) دفعا لتوهم عدم احتمال إرادة الحيوان المفترس بلفظ الليث إذ الليث أيضا نوع من العنكبوت والأسد بضمتين أو بضم فسكون جمع أسد بفتحهما. قال الزمخشري: ومن المجاز استأسد عليه أي صار كالأسد في جراءته والعرين والعرينة مأواه الذي يألفه يقال ليث غابة وليث عرينة. ومن كلامهم: أشم العرين كالأسد في عرينه لا كالجمل الأنف الأنف في عرانه وهو العود الذي يجعل في برة أنف البختي ذكره الزمخشري. وعلم مما تقرر أن تشبيهم بالأسد استعارة بالكناية وإثبات الغابة لهم استعارة تخييلية رشحها بذكر العرين (هذا) أي المؤلف الحاضر في العقل استحضر المعاني التي جمعها فيه على وجه الإجمال وأورد اسم الإشارة لبيانها وأسماء الإشارة قد تستعمل في الأمور المعقولة وإن كان وضعها للأمور المحسوسة المبصرة الحاضرة في مرأى المخاطب لكن لا بد من نكتة وهي هنا الإشارة إلى إتقانه هذه المعاني حتى صارت لكمال علمه بها كأنها مبصرة عنده ويقدر على الإشارة إليها ذكره العصام تلخيصا من كلام الدواني وغيره (كتاب) أي مكتوب وتنوينه للتعظيم وهو في الأصل مصدر سمي به المكتوب على التوسع ثم غلب في العرف على جمع من الكلمات المستقلة بالتعيين المفردة بالتدوين. وقال الحراني: الكتاب من الكتب وهو وصل الشئ المنفصل بوصلة خفيفة من أصله كالخرز في الجلد يقد منه والخياطة في الثوب بشئ من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله للأول فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام (أودعت) أي صنت وحفظت (فيه) أي جعلته ظرفا لصون الحديث وحفظه من أودعته مالا دفعته إليه ليكون وديعة محفوظة عنده من الدعة وهي الراحة كأن به تحصل الراحة لطالب الفن بجمع ما هو مشتت في الأقطار متفرق في الكتب الكبار. قال الزمخشري: ومن المجاز أودعته سرا وأودع الوعاء متاعه وأودع كتابه كذا وأودع كلامه معنى حسنا قال:
استودع العلم قرطاسا فضيعه فبئس مستودع العلم القراطيس (من الكلم) بفتح فكسر جمع كلمة كذلك من الكلم بفتح فسكون وهو التأثير المدرك بإحدى الحاستين السمع والبصر سمي به اللفظ لما مر. قال الحراني: والكلام إظهار ما في الباطن على الظاهر