رضي الله تعالى عنه: * لا تحمدن امرءا حتى تجربه * بل اختصاصه بذي علم وشعور كما يرشد إليه قولهم في المثل السائر: عند الصباح يحمد القوم السري. قال: ومن هنا تبين أن المحمود عليه لا يلزم كونه فعلا لمن حمد به فضلا عن كونه مختارا فيه كما توهم وأن من وهم قيام الفرق بين الحمد والمدح لصحة تعلق الثاني بالجماد دون الأول فقد وهم واتضح به أنه لا مدخل لمسألة خلق العباد لأفعالهم هنا لأن الكلام في الحمد اللغوي ومرجعه إلى من وثق بعربيتهم بالنقل الصحيح والاستعمال الصريح وقد صح عنهم عدم الاختصاص، وأما حمل التعريف على الجنس دون الاستغراق فمنشؤه أمر وراء ذلك وهو أن مقتضى مقام الخطاب تخصيص حقيقة الحمد به تعالى تنزيلا لأفراد الحمد الثابتة لغيره منزلة العدم والقصد إلى هذا المعنى ظاهر عند كون التعريف للجنس لا للاستغراق إذ قد يكون جزئيا كجمع الأمير الصاغة فلا يوجب استيعاب جميع الأفراد. إلى هنا كلامه. وفريق سلكوا سبيل الأدب مع أولئك العظماء وسيد هذا الفريق سيد المحققين الدواني فنزل الحصر على الحقيقة لأن الحمد يختص بالفعل الاختياري ولا اختيار لغيره تقدس على قاعدة أهل الحق والعبد مضطر في صورة مختار انتهى.
والحاصل أنهم نزلوا حمد غير الله منزلة العدم أو منزلة حمده الله تعالى لأنه مبدأ كل جميل فحمد غيره كالعارية لأن الكل منه وإليه خلقا وتمكينا وتيسيرا وليس لغيره غير مجرد مظهرية لما بين يديه وكل جمال وكمال مضمحل في جماله وكماله وراجع إليه وكل اختيار لغيره يعود إلى اضطرار.
الخامس وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان والمراد منه أن يكون مجارحة النطق فلما كان الواقع كون آلة التكلم هي تلك الجارحة خص بها فلو فقد لسان إنسان فأثنى بحروفه الشفوية على جميل أو خلق النطق في بعض جوارحه كما ذكر بعض الثقات أنه شاهده فأثنى به فهو حمد وقضية التقييد به أيضا أن لا يكون الصادر عن المنزه عن الجارحة حمدا وقد قال تعالى * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد أو أمر بالحمد أو منقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية المطلوبة من الحمد وميل السيد إلى الأخير لكن النحرير الدواني قال: كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام قال: فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي في مقابلة الجنان والأركان والمراد الفعل الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد أغلبي يسوغ الاستعمال فيه. وتوضيحه أن اللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لأمر عام اشتهر في بعض أفراده بخصوصه بحيث يصير حقيقة عرفية في ذلك الفرد، وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك اللفظ كما في لفظ الدابة فإنه موضوع في الأصل لما يدب على الأرض ثم اشتهر به في العرف العام في بعض فراده حتى صار حقيقة عرفية فيه، وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ذلك ولم يطلعوا على إطلاقه على فرد آخر ظنوا أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن ثم من لم يطلع على تلك الآلة إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع لهذا حتى أن من لم ير موازين المياه وغيرها من موازين الحكمة ربما يظن أنها ليست ميزانا وكما أن من لم يشاهد من الخبز إلا ما هو من الحنطة لا ينساق ذهنه عند سماع لفظ الخبز إلا إليه وربما