فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٨٩
إرادة الله وتصرفه وفيه جواز القسم بما ذكره ونحوه من كل ما يفهم منه ذات الله تعالى تأكيدا للأمر وتفخيما للشأن (إني لأراكم) بلام التوكيد وبفتح الهمزة (من وراء ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم) وفي رواية لمسلم إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم بزيادة ما وهذه رؤية إدراكية فلا تتوقف إلى آلتها ولا على شعاع ومقابلة خرقا للعادة ولا يلزم من فرضه محال وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها.
وقول الزاهدي كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يرى بهما ولا يحجبهما شئ لم يثبت ولما كانت هذه الرؤية الإدراكية خارجة عن القوانين العادية أكد بالقسم وبأن واللام دفعا للإنكار قال الحليمي:
لا سبيل للملحدين إلى استنكار ذلك فإنهم يدعون لفيثاغورس أنه كان يسمع أصوات الأفلاك وصرير حركة الكواكب وألف الألحان عليها وهم عندنا كاذبون إلا أن يثبت أنه كان نبيا وزعم أن هذه رؤية قلبية أو بوحي رد بأنه تعطيل للفظ الشارع بلا ضرورة فحمله على ظاهره وأنه إبصار حقيقي خاص به خرقا للعادة معجزة له أولى قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن ذلك خاص بحالة الصلاة ويحتمل العموم انتهى وكلام جمع متقدمين مصرح بالعموم. ألا ترى إلى قول المطامح وغيرها أنه كان يبصر من خلفه لأنه كان يرى من كل جهة من حيث كان نورا كله وهذا من عظيم معجزاته ولهذا كان لا ظل له لأن النور الذي أفيض عليه منع من حجب الظلمة وقد كان يدعو بسبعة عشر نورا فبهذا الأنوار أبصر من كل جهة ولذلك تجلت له الجنة في الجدار لفقد الحجب وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله وراء لأن وراء يراد به تارة خلف وتارة أمام فإذا قلت زيد ورائي صح أن يراد في المكان الذي أواريه أنا بالنسبة لمن خلفي فيكون أمامي أو يراد في المحل الذي هو متوار عني فيكون خلفي، وقال الحراني: وراء ما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان فربما اجتمع أن يكون الشئ وراء من حيث كونه لا يعلم وأما ما في المكان، وقال القاضي: وراء في الأصل مصدر جعل ظرفا يضاف للفاعل ويراد به ما يتوارى وهو خلفه وللمفعول ويراد به ما يواريه وهو قدامه ولهذا عد من الأضداد. (حم ق ن عن أنس) بن مالك وفي الباب غيره أيضا وفيه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وخصه أبو حنيفة بالفرض وعمم الشافعي رضي الله تعالى عنه.
155 - (أتموا) أيها المصلون ندبا مؤكدا (الصفوف) بضم الصاد أكملوها الأول بالأول فلا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله فإن وجد في صف أمامه فرجة اخترق الصف الذي يليه فما فوقه إليها لتقصيرهم بتركها (فإني أراكم خلف ظهري) قال في المطامح:
في أبي داود عن معاوية ما يدل على أن هذا كان في آخر عمره ولهذا قال عياض كان ذلك له بعد ليلة الإسراء كما كان موسى يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء من عشرة فراسخ بعد ليلة الطور وزاد لفظ الظهر ولم يكتف بقوله خلفي لما مر قال الحافظ ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر لا أعلم ما وراء جداري فلا أصل له وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا باطلاعه تعالى. (م عن أنس) بن مالك، متفق عليه بلفظ أقيموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة