المعاني وقال الراغب: الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله وربما قيل هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله وقد نبه الله سبحانه وتعالى على صدقها بقوله تعالى * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * وقوله تعالى * (تعرفهم بسيماهم) * ولفظها من قولهم فرس السبع الشاة وسمى الفرس به لأنه يفترس المسافات جريا فكانت الفراسة اختلاس العارف وذلك ضربان ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه وهو ضرب من الإلهام بل من الوحي وهو الذي يسمى صاحبه المحدث كما في خبر: إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر وقد تكون بإلهام حال اليقظة أو المنام والثاني يكون بصناعة متعلمة وهي معرفة ما في الألوان والأشكال وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثابت قوي على الفراسة، وقد ألف فيها تأليفات فمن تتبع الصحيح منها اطلع على صدق ما ضمنوه والمراد هنا هو الضرب الأول بقرينة قوله (فإنه ينظر بنور الله عز وجل) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى وباستنارة القلب تصح الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة التي تظهر فيها المعلومات كما هي والنظر بمنزلة النقش فيها قال بعضهم من غض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته قال ابن عطاء الله واطلاع بعض الأولياء على بعض الغيوب جائز وواقع لشهادته له بأنه إنما ينظر بنور الله لا بوجود نفسه انتهى ومن ثم شرطوا النور المذكور عن النظر للمحارم، فإن العبد إذا أطلق نظره تنفست الصعداء قلبه نورها (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * (النور:
والحق سبحانه وتعالى يجزئ العبد على عمله من جنسه فمن غض بصره عن المحارم عوضه إطلاق نور بصيرته وقد قال علي كرم الله وجهه لأهل الكوفة سينزل بكم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستغيثون بكم فلم يغاثوا فكان منهم في شأن الحسين ما كان ورأي عمر رضي الله عنه قوما من مذ حج فيهم الأشتر فصعد النظر فيه وصوب ثم قال قاتله الله إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا فكان منه ما كان ونظر رجل إلى امرأة ثم دخل على عثمان رضي الله تعالى عنه فقال يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنا وحاكمت امرأة زوجها إلى بعضهم فأصابته مشغولا بالتقديس فانتظرته حتى فرغ فقال يا جاهلة بمقدار ما جنته على نفسها اعترفي بذنبك واعلمي زوجك بجنايتك عليه فإن السكران الذي واقعك في ليلة كذا وزوجك قائم في الهيكل يدعو لك فقد أحبلك وستلدين بعد شهرين خلقا مشوها فكان. قال الغزالي وما حكى عن تفرس المشايخ وأخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم تخرج عن الحصر قال بل ما حكى عنهم من مشاهدة عذاب القبر والسؤال ومن سماع صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم يشاهد ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل (سئل) بعض العارفين عن الفراسة ما هي؟ فقال أرواح تتقلب في الملكوت فتشرف على معاني الغيوب فتنطق عن أسرار الحق نطق مشاهدة وعيان وقال أبو عثمان المغربي:
العارف تضئ له أنوار العلم فيبصر بها عجائب الغيب وقال الحريري لجلسائه: هل فيكم من إذا أراد الله أن يحدث في المملكة شيئا أعلمه قبل أن يبدو قالوا: لا. قال: ابكوا على قلوب لم تجد من الله شيئا