فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٧
أفهمه كلام القاضي من كونه كناية وجه صحيح محرر ومذهب النووي خلافه. ثم أعقب اسم الذات اسمين بصفتي المبالغة في الرحمة رمزا إلى سبقها وغلبتها على الأضداد وعدم انقطاعها فقال (الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإحسان بجميع النعم أصولها وفروعها عظائمها ودقائقها، أو بإرادة ذلك فمرجعهما صفة فعل أو صفة ذات، قال في البحر: وهو أقرب إلى الحقيقة، إذ الإرادة متقدمة على الفعل وأصلهما واحد لكونهما من الرحمة، والرحمن عربي ونفور العرب منه لتوهمهم التعدد وأتم مبالغة من الرحيم كما وكيفا، لأن فعيلا لمن وجد منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وحق الأبلغ التأخير قضاء لحق الترقي لكنه قدم لمناسبة اسم الذات في اختصاصه به إذ لم يطلقا على غيره مطلقا إلا أن الله اسم وهو قسم من العلم كما تقرر. والرحمن وصف أريد به الثناء فأجري مجري الأعلام وليس بعلم حقيقة ومجيئه غير تابع للعلم بحذف موصوفه. ووصفه تعالى بالرحمة التي هي العطف من إطلاق السبب على المسبب وهو الإنعام والإحسان إذ الملك إذا عطف رق فأحسن إطلاقه عليه مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية، بل حول بعض المحققين جعله حقيقة شرعية وعرفية لكثرة الإطلاق بدون قرينة، أو قصد تشبيه، وتعقيبه بالرحيم من قبل التتميم، فإنه لما دل على جلائل النعم أولى الرحيم دفعا لتوهم عدم التعميم وخطور أن الدقائق مما لا يلتفت إليه فلا يتطفل فيها عليه ووفاقا لترتيب الوجود لإيجاد النعم العامة قبل الخاصة، وكلاهما صفة مشبهة. أو الرحيم اسم فاعل فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ حيث لم يستعمل في غيره تقدس ولم يوصف به أحد سواه بين جميع الملل والنحل إلا تعنتا وغلوا في الكفر كرحمن اليمامة والرحيم بالعكس، وآثرهما من بين سائر الصفات لتضمنهما الدلالة على سائر الأسماء الحسنى إذ من عمت رحمته وتمت نعمته انتفت عنه شوائب النقص وطويت النقمة في أفهام اختصاص الثاني، رمزا إلى أن من شروط كمال حسن الترغيب، الإشارة منه إلى مقام الترهيب، كما هو الأسلوب، في كتب علام الغيوب، ليكون باعث الرجاء والخوف في قرن. قال بعض الحكماء: والأحسن بيانية إضافة البسملة. قال صاحب القاموس: وإنما حذفت الألف من لفظ رحمن تخفيفا ولم تحذف الياء من الرحيم خوفا من اللبس.
ولما افتتح كتابه بالبسملة التي الافتتاح بها أجل افتتاح باسم الحق تقدس وهي نوع من الحمد، ناسب أن يردفها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال من القول الدال على أنه سبحانه مالك لجميع المحامد بالاستقلال، فأعقبها به في جملة أوقعها مقول القول فانتصب به تاركا للعطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية في أصل الابتداء فقال (الحمد لله) أي الوصف بالجميل مملوك أو مستحق لله تعالى فلا فرد منه لغيره بالحقيقة ولم يكتف بالتسمية لما تقرر أن المقام مقام تعظيم فاللائق به التصريح بالحمد وقصره عليه، ولأنها وإن تضمنت جهة الحمد لكن من اقتصر عليها لا يسمى حامدا عرفا، ومن ثم وقع التدافع ظاهرا بين حديثي الابتداء واحتيج للتوفيق بأن البداءة إما حقيقية وهي ذكر الشئ أولا على الإطلاق أو إضافية وهي ذكره أولا بالإضافة إلى شئ دون شئ وهذه صادقة بذكر الحمد قبل المقصود بالذات، وخص الحقيقي بالبسملة، لأنها ذكر الذات والحمد ذكر ان الوصف فوجب تقديمها بقدر ما تندفع به ضرورة امتناع الجمع في المبدأ كذا قرره جمع. وقد انتهبه
(٧)
مفاتيح البحث: الخوف (1)، الصدق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة