فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٧٦
للقدر بآية والنافي بأخرى ويقع التجادل، ومنها الخوض فيه إثباتا ونفيا بالأقيسة العقلية كقول القدرية لو قدر ثم غلب ظلم وقول مخالفيهم إن الله جبر العباد على أفعالهم ومنها الخوض في سر القدر فإن العباد لا يطلعون على حقيقته انتهى، ومن هذا التقدير عرف أن المنهي عنه الخوض والتوغل لا النظر في أصله فإنه مطلوب محبوب بل واجب على من قدر على تحقيقه. ألا ترى إلى قول المولى ابن الكمال:
النظر في أصل القدر مما يثاب عليه وأما الخوض في تفصيله وزيادة التوغل في أسراره فمنهي عنه انتهى، قال الإمام أبو الليث إن استطعت أن لا تخاصم في مسألة القدر فافعل فإن الشارع نهى عن الخوض فيه فكما أن الخوض في ذلك البحر المتلاطم أمواجه والغوص في جوفه المظلم منهي عنه فكذلك الجدل فيه إذ لا يخلو عن الخلل فلذلك نهى عنه صاحب الشرع وفي حواشي الكشاف كتب عمر بن عبد العزيز لبعضهم بلغني أنك قدري فكتب إليه من أنكر القدر فقد فجر ومن ورك ذنبه على الله فقد كفر ولم يدر أن ما فاته حجة عليه لا له (فإنه شعبة من النصرانية) أي فرقة من فرق دين النصارى لأن المعتزلة الذين هم القدرية أنكروا إيجاد الباري سبحانه وتعالى فعل العبد فجعله بعضهم كالجبائية غير قادر على عينه والبعض كالبلخي وأتباعه غير قادر على مثله وجعلوا العبد قادرا على فعله فهو إثبات للشريك كقول النصارى فالإيمان والكفر عندهم من فعل العبد لامن فعل الرب وبذلك كفرهم قوم، لكن المختار عدم تكفيرهم لتعارض الشبهة عليهم، قال في القاموس: والنصرانية واحدة النصارى والنصرانية أيضا دينهم والشعبة بالضم الطائفة من الشئ وفي الصحاح شعب الشئ فرقه (ابن أبي عاصم) أحمد بن عمرو (طب عد) كلهم (عن) عبد الله (بن عباس) قال الهيتمي: وفيه نزار بن حيان ضعيف انتهى وفي الميزان فيه لين وقال ابن حبان: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد لذلك ثم ساق له هذا الخبر اه‍.
138 - (اتقوا اللعانين) وفي رواية لمسلم وأبو داود اللاعنين قال النووي: وهما روايتان صحيحتان أي الأمرين الجالبين للعن أي الشتم والطرد الباعثين عليه من قبيل تسمية الحاصل فاعلا قالوا: وما اللعانان قال: (الذي يتخلى) فيه إضمار تقدير تخلي الذي يتخلى ولا يطابق الجواب السؤال بدون ذلك أي أحدهما تغوط الذي يتغوط (في طريق الناس) يعني طريق المسلمين المسلوك كما قيده بذلك في رواية الحاكم فخرج طريق الكفار الذي لا يسلكه غيرهم والطريق المهجور الذي لا يسلك إلا نادرا لأن من فعلهما يلعن ويسب فلما كانا سببا للعن أسند الفعل إليهما وقيل لاعن بمعنى ملعون كقولهم سر كاتم بمعنى مكتوم فالمراد المسلوك لا المهجور والتعميم رأي مهجور (أو في) في رواية وفي (ظلهم) أي والثاني تغوط الذي يتغوط في ظلهم الذي اتخذوه مقيلا فإذا وجده أحد قال لعن الله من فعله فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما واختاره النووي لهذا الحديث وذلك لأنه إيذاء للناس بابطال منفعتهم من ذلك بل قال الذهبي إنه كبيرة لكن الأصح عند الشافعي الكراهة التنزيهية وما ذكرته من تفسير التخلي التفرد بالتغوط هو ما مشى عليه النووي جازما لكن قال الولي العراقي: إنه مردود وإن البول
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة