فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٧٣
أعمالك ولا تفوته فالشيطان لما رأى الإنسان خلق عجولا راغبا في العجالة توسل إليه بواسطة العجلة التي في طبعه فوعده بالغرور واستغواه وكره إليه المصير للآخرة وزين له الحاضرة ونصب له فخوخا كالبحار الزاخرة (وما) نافية (هو بشئ) الباء زائدة والتنكير للتعميم لأنه في سياق النفي (من) بيانية (فخوخه) جمع فخ بفتح الفاء وشد الخاء المعجمة آلة الصيد قال الزمخشري: من المجاز وثب فلان من فخ إبليس إذا تاب (بأوثق) أحكم (لصيده) أي لمصيدة (في الأتقياء) خصهم لما لهم من الشهرة على قهر الشيطان ورد كيده (من النساء) بيان للأوثق أي ما يثق في صيده الأتقياء بشئ من آلات الصيد وثوقه بالنساء أما كونهن من فخوخه فلأنه جعلهن مصيدة يزينهن في قلوب الرجال ويغريهم بهن فيورطهم في الزنا كصائد ينصب شبكته ليصطاد بها ويغري الصيد عليها ليقع في حبائلها قال أبو حمزة الخراساني: النظر رسول البلايا وسهام المنايا وقال بعض الحكماء: من غلب هواه عقله افتضح ومن غض طرفه استراح وقال بعضهم: لا شئ أشد من ترك الشهوة تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك وقال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكا عبادا فإنهن يركن إلى كل بلية ولا يستوحشن من كل فتنة. وقال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال إلا عنهن لأنهن من ذوات الرجال وشقائقهم ولسن غيرا حتى يمكن التباعد عنه والتحرز عنه * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) * وما عداهن فاتباع هوى النفس فيه آية تكذيب وعد الرحمن وعلامة الاسترسال مع الشيطان وتصديقه فيما يزينه من البهتان وإذا نرى الكامل الحازم منقادا مسترسل الزمام لتلك الناقصات عقلا ودينا مقهورا تحت حكمهن قال:
إن العيون التي في طرفها حور * قتلننا ثم لا يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا وقال الرشيد الخليفة:
ملك الثلاث من الإناث عناني * وحللن من قلبي أعز مكان ما لي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى * وبه غلبن أعز من سلطاني فعلى من ابتلي بالميل إليهن مصارعة الشيطان فإذا غلب باعث شهوة الوقاع المحرم بحيث لا يملك معها فرجه أو ملكه ولم يملك طرفه أو ملكه ولم يملك قلبه أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة من الأطعمة فيقللها كما وكيفما ويحسم محرك الغضب وهو النظر، ففي خبر أحمد " النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس " وهذا السهم يسدده إبليس نحو القلب ولا طريق إلى رده إلا الغض والانحراف عن جهة المرمى فإنه إنما يرمي هذا السهم عن قوس الصورة فإذا لم تقف في طريقها أخطأك السهم وإن نصبت قلبك غرضا أصابك وأن تسلي النفس بالمباح المعوض عن الحرام فالدواء الأول يشبه قطع العلف عن الدابة الجموح والكلب الضاري لإضعاف قوتهما والثاني كتغييب الشعير عن
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة