الكبيرة الجنة تفضلا كما قال تعالى حكاية عن أهل الجنة * (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) * وما يقال من أنه يلزم حينئذ التسوية بين الجزاء والتفضل ممنوع لجواز أن يختلفا من وجه آخر أو نقول بترجح جانب الثواب على جانب العقاب لأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها والحسنة تجزى بعشر أمثالها إلى سبعمائة من الأمثال ويضاعف الله لمن يشاء أضعافا مضاعفة بغير حساب واستعانوا بعد إقامة ذلك الدليل العقلي من النقل بوجهين الأول بآيات تشعر بالخلود كقوله تعالى * (من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وقوله * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * وقوله * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * قالوا والخلود حقيقة في الدوام لقوله تعالى * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * مع أنه تعالى قد جعل لكثير منهم المكث الطويل فلو حمل الخلود على المكث الطويل لم تصدق هذه الآيات والجواب لا نسلم أن من له حسنات من الإيمان والطاعات فقد أحاطت به خطيئته بل من أحاطت به خطيئته لا يكون له حسنة أصلا ومن كانت له حسنات كانت خطيئته من بعض جوانبه لا محيطة به ولا نسلم أن من اكتسب كبيرة فقد تعدى حدوده بل تعدى بعض حدوده والمراد بالآية الثالثة من قتل مؤمنا لأنه مؤمن ولا يكون ذلك القاتل إلا كافرا فالآيات المذكورة لا تتناول صاحب الكبيرة سلمنا تناولها إياه لكن الخلود المذكور فيها هو المكث الطويل وما ذكرتم من الاستدلال على أنه حقيقة في الدوام معارض بما يقال في الاستعمال الشائع حبس مخلده
(٤٩٥)