الإنسان مع استغراقه في تجلي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى شيء من اللذات الجسمانية ومع استقرائه في استيفاء هذه اللذات لا يمكنه أن يلتفت إلى اللذات الروحانية وإنما تعذر هذا الجمع لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم فإذا فارقت بالموت واستمدت من عالم القدس والطهارة قويت وكملت فإذا أعيدت إلى الأبدان مرة ثانية كانت قوية قادرة على الجمع بين الأمرين ولا شبهة في أن هذه الحالة هي الغاية القصوى من مراتب السعادات وأما المنكرون للمعاد مطلقا فهم الذين قالوا النفس هي المزاج فإذا مات الإنسان فقد عدمت النفس وإعادة المعدوم عندهم محال وقالوا أيضا مسألة المعاد مبنية على أركان أربعة وذلك أن الإنسان هو العالم الصغير وهذا العالم هو العالم الكبير والبحث عن كل واحد منهما إما عن تخريبه أو تعميره بعد تخريبه فهذه مطالب أربعة الأول كيفية تخريب العالم الصغير وهو بالموت والثاني أنه تعالى كيف يعمره بعدما خربه وهو أنه يعيده كما كان حيا عاقلا ويوصل إليه الثواب والعقاب والثالث أنه كيف يخرب هذا العالم الكبير أيخربه بتفريق الأجزاء أو بالإعدام والفناء والرابع أنه كيف يعمره بعد تخريبه وهذا هو القول في شرح أحوال القيامة وبيان أحوال الجنة والنار فهذا ضبط مباحث هذا الباب والله أعلم بالصواب
(٤٨٤)