الأول إن من نظر إلى الشمس بالاستقصاء ثم غمض فإنه يتخيل أن الشمس حاضرة عنده لا يتأتى له أن يدفعه أي هذا التخيل عن نفسه أصلا وما ذلك إلا لأن الحدقة تأثرت عن صورة الشمس وبقيت صورتها في الحدقة بعد أن زالت الرؤية الثاني إن من نظر بالاستقصاء إلى روضة خضراء زمانا طويلا ثم حول عينيه إلى شيء أبيض فإنه يرى لونه ممتزجا من البياض والخضرة فقد تحقق أن حدقته تأثرت عن الخضرة وبقي صورتها فيها بعد التحول الثالث إن الضوء القوي يقهر الباصرة وكذلك البياض الشديد يقهرها بحيث لو نظر الرائي بعد رؤيتهما إلى ضوء ضعيف أو بياض ضعيف لم يرهما فلولا تأثرها أي تأثر الحاسة منه بل منهما لما كان الأمر كذلك قلنا كل ذلك الذي ذكرتموه يدل على تأثر الحدقة عند الإبصار وأما عود تلك الزيادة التي هي الإبصار إليه أي إلى التأثر فلا دلالة عليه فلا هي أي فلا الإبصار بتأويل الرؤية هو أي تأثر الحاسة ولا هي مشروطة به عندنا فجاز أن يرى الله سبحانه وتعالى من غير أن تتأثر عنه الحاسة وقد سبق ما فيه كفاية وهو أن الرؤية أمر يخلقه الله في الحي ولا يشترط بضوء ولا مقابلة ولا غيرهما من الشرائط التي اعتبرها الحكماء ثم علمت أن الله تعالى أوليس جسما ولا في جهة ويستحيل عليه مقابلة ومواجهة وتقليب حدقة نحوه ومع ذلك يصح أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر كما ورد في الأحاديث الصحيحة وأن يحصل لهوية العبد بالنسبة إليه هذه الحالة المعبر عنها بالرؤية هذا ما تفرد به أهل السنة
(١٧٤)