وخالفهم في ذلك سائر الفرق فإن الكرامية والمجسمة وإن جوزوا رؤيته لكن بناء على اعتقادهم كونه جسما وفي جهة وأما الذي لا إمكان له ولا جهة فهو عندهم مما يمتنع وجوده فضلا عن رؤيته وسيرد عليك زيادة تقرير لمذهبهم وقد استدل عليه أي على جواز رؤيته تعالى بالنقل والعقل فلنجعله مسلكين المسلك الأول النقل وإنما قدمه لأنه الأصل في هذا الباب والعمدة من المنقولات في ذلك قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام * (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) * والاحتجاج به من وجهين الأول إن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال فإنه عبث وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبيا كليما وقد وصفه الله تعالى بذلك في كتابه بل ينبغي أن لا يصلح للنبوة إذا المقصود من البعثة هو الدعوة إلى العقائد الحقة والأعمال الصالحة الثاني إنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل واستقرار الجبل أمر ممكن في نفسه وما علق على الممكن فهو ممكن إذ لو كان ممتنعا لأمكن صدق الملزوم بدون صدق اللازم الاعتراض أما على الوجه الأول فمن وجوه الأول إن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم فكأنه قال اجعلني عالما بك
(١٧٥)