وقال يا جابر: حوايج الناس إليكم نعم من الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم، وأعلموا أن خير المال ما أكتسب حمدا وأعقب أجرا ثم أنشأ يقول:
لا تخضعن لمخلوق على طمع فان ذلك وهن منك في الدين وأسأل إلهك مما في خزائنه فان ذلك بين الكاف والنون ألا ترى كل من ترجوا وتأمله من البرية مسكين ابن مسكين ما أحسن الجود في الدنيا وأجمله وأقبح البخل ممن صيغ من طين (1) قال جابر: فهممت أن أقوم قال: أنا معك يا جابر فلبس نعليه وألقى أزاره على منكبيه وخرجنا نتساير، فذهب بنا إلى الجبانة جبانة الكوفة، فسلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهجة فقلت: ما هذه الصيحة؟ فقالوا:
هؤلاء بالأمس كانوا معنا، واليوم فارقونا أتسأل عن أحوالهم فيهم اخوان لا يتزاورون، وأوداء لا يتعاودون، ثم خلع نعليه وحسر عن ذراعيه وقال يا جابر: أعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية، ومن حياتكم لموتكم، ومن صحتكم لسقمكم، ومن غناكم لفقركم، اليوم أنتم في الدور وغدا في القبور، ثم أنشأ يقول:
سلام على أهل القبور الدوارس كأنهم لم يجلسوا في المجالس ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم يأكلوا ما بين رطب ويابس ألا خبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس (2)