علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوئ الأخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شئ من علومه فليقدم تصحيح النية واخلاصها وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب لروايته والذي نقوله انه متى احتيج إلي ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان وروينا عن القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به ان يحدث هو ان يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد قال سحيم بن وثيل أخو خمسين مجتمع أشدي * ونجذني مداورة الشؤون قال وليس بمنكر ان يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الانسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه وأنكر القاضي عياض ذلك علي بن خلاد وقال كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلي هذا السن ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصي هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين وكذلك إبراهيم النخعي وهذا مالك بن أنس جلس للناس بن نيف وعشرين وقيل بن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه احياء وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد اخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك والله أعلم قلت ما ذكره بن خلاد غير مستنكر وهو محمول علي انه قاله فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلي ما عنده واما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم
(١٤٧)