الخامس إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا بما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فجوزه أكثرهم ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره والأصح جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما بما وصفناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه لان ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذلك إلا لان معولهم كان على المعنى دون اللفظ ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شئ من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره والله أعلم السادس ينبغي لمن روى حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو نحو هذا أو ما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس رضي الله عنهم قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر قلت وإذا اشتبه على القارئ فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم قال أو كما قال فهذا حسن وهو الصواب في مثله لان قوله أو كما قال يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا والله أعلم السابع هل يجوز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض اختلف أهل العلم فيه فمنهم من منع من ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من
(١٣٦)