وقال إبراهيم كان الخمس أحب إليهم من الربع والربع أحب إليهم من الثلث وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء كلهم في (التمهيد) وفي هذا الحديث أيضا عيادة العالم والخليفة وسائر الجلة للمريض وفيه دليل على أن الاعمال لا يزكو منها الا ما أريد به وجه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم (انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت بها) وفيه ان النفقة على البنين والزوجات من الاعمال الزاكيات الصالحات وان ترك المال للورثة إذا كان فضلا أفضل من الصدقة به لقوله صلى الله عليه وسلم (ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) واما قول سعد (أأخلف بعد أصحابي) فمعناه عندي - والله أعلم - ااخلف بمكة بعد أصحابي المهاجرين المتصدقين معك إلى المدينة دار الهجرة قال ذلك تحزنا واشفاقا من بقائه في موضع قد هجره لله ولرسوله واما جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله (انك لن تخلف فتعمل عملا صالحا الا ازددت به درجة ورفعة) فلم يخرج على كلامه وانما خرج مخرج الاقرار لان الغيب لا علم له به ولكن من خلف وعمل صالحا وقعت به درجته واما قوله (ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) فهذا من ظنونه الصادقة التي كان كثيرا منها يقينا فقد خلف سعد - رضي الله عنه - حتى انتفع به أقوام وهلك به آخرون روى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج قال سالت عامر بن سعد بن أبي وقاص عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لسعد (ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) فقال امر سعد على العراق فقتل قوما على ردة فاضر بهم واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة فتابوا فانتفعوا قال أبو عمر امره عمر - رحمه الله - على الكوفة على حرب القادسية وعمر سعد بعد حجة الوداع خمس وأربعون سنة وتوفي سنة خمس وخمسين واما قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) فمعناه الدعاء لهم في أن يتم لهم هجرتهم سالمة من افات الرجوع إلى الوطن المتقرب بهجرته إلى الله عز وجل وان يثبتهم على هجرتهم تلك وكانوا يستعيذون بالله تعالى ان يعودوا كالاعراب بعد هجرتهم لان الاعراب لم يتعبدوا بالهجرة التي كان يحرم بها على المهاجر الرجوع إلى وطنه
(٢٧٥)