فمن ثم ترى تثبت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في رواية الحديث واحتياطهم في قبول الاخبار (1) ولما نشأت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه واختلف المسلمون في الخلافة وادعاها غير واحد انصرفت عناية كل حزب من أحزابهم إلى استنباط الأدلة واستخراج الأحاديث المؤيدة لدعواهم. فكان بعضهم إذا أعوزهم حديث يؤدون به قولا أو يقيمون به حجة اختلقوا حديثا من عند أنفسهم وتكاثر ذلك أثناء تلك الفوضى. فكان المهلب بن أبي صفرة مثلا يضع الحديث ليشد بها أمر المسلمين ويضعف أمر الخوارج (2) وأمثال المهلب كثيرون وكانوا يضعون الحديث لأغراض مختلفة إذ كثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الاقدار وغيرهم.
فلما هدأت الفتنة وعمد المسلمون إلى التحقيق وجدوا تلك الموضوعات قد تكاثرت فاشتغلوا في التفريق بينهما وبين الصحيح. قال مسلم في صحيحه (3) وحدثني أبو أيوب سليمان بن عبد الله الغيلاني حدثنا أبو عامر يعني العقدي حدثنا رباح عن قيس بن سعد عن مجاهد قال جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال يا ابن عباس، ما لي أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع.
فقال ابن عباس انا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.