الورع - ابن أبي الدنيا - الصفحة ١٢
يقول إن من صعد عن الدرجة الأولى إلى هذه الدرجة من الورع يترك كثير مما لا باس به من المباح، ايقاء على صيانته، وخوفا عليها ان يتكدر صفوها، ويطفأ نورها فان كثيرا من المباح يكدر صفوة الصيانة ويذهب بهجتها ويطفئ نورها ويخلف حسنها وبهجتها.
وقال لي يوما شيخ الاسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شئ من المباح: هذا ينافي المراتب العالية، وان لم يكن تركه شرطا في النجاة. أو نحو هذا من الكلام.
فالعارف يترك كثيرا من المباح ابقاء على صيانته. ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخا بين الحلال والحرام. فان بينهما برزخا - كما تقدم - فتركه لصاحب هذه الدرجة كالمتعين الذي لابد منه لمنافاته لدرجته:
والفرق بين صاحب الدرجة الأولى وصاحب هذه: ان ذلك يسعى في تحصيل الصيانة. وهذا يسعى في حفظ صفوها ان يتكدر، ونورها ان يطفأ ويذهب. وهو معنى قوله (ابقاء على الصيانة).
واما الصعود عن الدناءة: فعو الرفع عن طرفاتها وافعالها.
واما (التخلص عن اقتحام الحدود) فالحدود: هي النهايات. وهي مقاطع الحلال والحرام. فحيث ينقطع وينتهي، فذلك حده فمن اقتحمه وقع في المعصية. وقد نهى الله تعالى عن تعدي حدوده وقربانه. فقال (تلك حدود الله فلا تقربوها) البقرة: 187.
وقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها) البقرة 229 فان الحدود يراد بها أواخر الحلال، وحيث نهى عن القربان فالحدود هناك: أوائل الحرام.
يقول سبحانه: لا تتعدوا ما أبحت لكم. ولا تقربوا ما حرمت عليكم.
فالورع يخلص العبد من قربان هذه وتعدي هذه. وهو اقتحام الحدود. قال (الدرجة الثالثة: التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت. والتعلق بالتفرق.
وعارض يعارض حال الجمع).
(١٢)
مفاتيح البحث: ابن تيمية (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست